حمد بن سالم العلوي
قد تجدُ من يُماريِك أن وباء كورونا من تدخّل الإنسان، وذلك بالنظر إلى كثرة القيل والقال عنه، ولكن المُؤكد أن لا شيء في هذا الكون أتى به الإنسان من العدم، بمعنى آخر إن مواده المكونة له موجودة في هذا الكون الكبير، ذلك يوم خلق الله السماوات والأرض، وخلق فيهما كل شيء.
لكن هذا الخلق قد يستغله الشيطان أو شياطين الإنس لخدمتهم، فيضرُّون به غيرهم، ووصفهم الله بالمكر فقال تعالى:{.. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال (30) وقال تعالى عن تحدِّي الشيطان الرجيم لربه: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ ..} النساء (119) ولأنَّ الله عزَّ وجلَّ يُمهل ولا يُهمل، لم يمسخ إبليس على تحديه وهو القادر على كل شيء، بل جعل الله ذلك معياراً بين من يُطيعه ويعصيه، ولكن رغم ترك الخيار للإنسان، إلا أنّه لم يمنحه القدرة على تغيير الكون، والتصرف في ملكوت رب العزة والجلال، وقال الله عنه إن أقصى شيء يفعله الإنسان هو الأذى، فقال تعالى في ذلك:{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذى} آل عمران (111).
لقد انتشر وباء كورونا في الصين بداية، ثم في إيران وبعد ذلك في إيطاليا، وحسبما قيل ونشر إن مكونات فيروس كورونا في الصين، هو ليس نفسه الذي أصاب إيران، ولا الذي أصاب إيطاليا هو نفسه الذي أصاب الصين وإيران، إذن احتمالية أن يكون مصنَّعاً شيء وارد، لأنه لم ينتقل بالعدوى، لكن السؤال المهم الآن، ما أنواع الفيروسات الكورونية التي انتشرت الآن حول العالم؟! فهل هي خليط من الفيروسات الثلاثة؟! أم أصبح لكل بلد فيروسها الخاص؟ فإذا الأمر كذلك، فهذا أمر يخرج عن القدرة البشرية، وإنه يمثل جندا ربانيِّا، بعث الله بهم إلى الناس بما كسبت أيديهم، ولكن قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} الكهف (58) وقال أيضاً:{قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} مريم (75)، إذن من هاتين الآيتين الكريمتين، نستبين أن الله لا يستعجل عقاب البشر.
وخاصة في هذا الزمان التي يتفطحل فيه المتفطحلون بزعمهم أنهم هم أذكى خلق الله في هذا الكون، وتفهم إن ذلك غير صحيح، بمجرد أن ترى ترامب وهو يصعِّر خده للناس، وهو غريق ومتبلد، وغير قادر على فعل شيء أمام جائحة كورونا، وقد لا ترهب القوة العسكرية الضخمة وحاملات الطائرات هذا الفيروس الصغير، والأيام القادمة هي الحكم الفصل.
لكن الأمر الذي أصبح واضحاً جلياً أن الصين التي انتشر فيها الوباء أولاً، قد استفادت من الحكمة القائلة "ربّ ضارة نافعة" فقد عرفت أن العالم الغربي الذي جلس يتفرج ويتمسخر عليها، وجنَّد علوجه من العرب للسخرية منها، وجندوا سيفهم الإسلامي الضال لينهش في الصين البوذية الكافرة، وإن هذا عقاب سماوي مرسل للصين وإيران وحدهما، وهما البلدان اللتان تكن لهما أمريكا عداوة وكرها شديدين، وقد سخّرت التقنية العلمية، لتظهر الناس يتساقطون في الشوارع من قوة الوباء، وأنهم هم- ما شاء الله- المغفورة ذنوبهم، وأن لهم الجنة دون غيرهم من خلق الله، ولأنهم أبناء الله وأحباؤه.
ولم تلتفت الصين لمسخرتهم وسخريتهم، واعتمدت على نفسها، وسيطرت على مليارها البشري، وأجلستهم في البيوت، وأظهرت قوتها التنظيمية والطبية والتقنية، فقضت على الوباء في ظرف شهرين، ولم تفعل كما فعلوا عندما أصبحتهم الجائحة عالمية الانتشار، فأخذت ترسل المساعدات للعالم، واتضح لهذا العالم، أن الصين هي الأجدر لقيادته، وليس من كان يُصور نفسه نمراً من ورق، حتى إن بعض المواطنين في إيطاليا أنزلوا العلم الأوروبي، ورفعوا العلم الصيني مكانه، وهذا طبعاً سيكون مبعث القهر لأمريكا، التي تزعم أنها قائدة العالم بلا منازع، ولكن أتت الصين وروسيا لمنازعتها على حلفائها الذين كانت تجندهم معها للشر.
لذلك شكلت في السلطنة "اللجنة العليا لمتابعة فيروس كورونا" فقد أخذت الأمور بالحكمة والحزم والتدرج في اتخاذ القرارات، ووباء كورونا ليس كما يظنه بعض الناس (معـ.. كورونا) وإن مثله كأي وجبة من "المعكرونة" إن شئت أخذت منها، وإن شئت تركتها وشأنها، فإن الأولى لن تترك المرء وشأنه، بل ستُمسك في خناقه كما يقول المثل، وستتشبث به حتى تصل إلى الرئتين مصنع الأكسجين للإنسان، أما الثانية فإن أخذ منها أشبعته من جوع وغذت بدنه، وعليه لابد من تبصير الناس بمخاطر كورونا، ولو بقوة الضوابط الرادعة المانعة من انتشار الوباء.
إذن فإنَّ الديموقراطية والحرية لا تستقيم في زمن "كورونا" لأن تقديرات الناس تختلف باختلاف الثقافة والفهم والعلم والإدراك، وكذلك البيئة والمعايشة والمعتقدات الخاطئة، والإيمان بالخرافات والتمسح بالجمادات، وحتى الفهم الخاطئ لأحكام القضاء والقدر، فهناك من يقول، لن يصيبنا إلا ما قدر الله لنا، وهذا صحيح فلا جدال فيه، وكذلك أمر اللهُ الإنسان دون غيره أن يأخذ بالأسباب، وقال أيضاً:{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ..} البقرة (195) فتجد النواهي أكثر العوازم، فلماذا نؤمن ببعض الكتاب ونهمل بعض؟! وقيل في الطاعون وهو كنية عن الأمراض السارية والمُعدية، فإذا علمتم ببلد فيه طاعون فلا تدخلوه، وإن كان في بلد أنتم فيه .. فلا تغادروه، ففي الأولى حتى لا يصيبكم ذلك المرض، وفي الثانية أن لا تنقلوا المرض لغيركم.
وعلى اللجنة الموقرة، ألا تغفل الحلول التي تتصل بالأفراد، فأولئك الذين مثل حالتي، والتي يعرفها المثل المحلي بالقول "إن حشت تعشت وإن ما حشت باتت بلا عشاء" ومن بين هذه الفئة العاملون على مركبات الأجرة، وأنتم أعلم بحالهم، وكذلك أمر البنوك بوقف الأقساط الشهرية على الأفراد، حتى تمر العاصفة، وعلى اللجنة أن تأمر بالأخذ من أموال الأغنياء لإطعام الفقراء .. حفظ الله عُمان وشعبها وحفظ سلطانها المبجل من كل سوء.