"فورين أفيرز": فيروس كورونا يعيد تشكيل النظام العالمي

ترجمة- رنا عبدالحكيم

مع عَزل مئات الملايين من الناس الآن حول العالم، أصبحت جائحة فيروس كورونا الجديد حدثًا عالميًّا حقًّا. وبينما ينبغي اعتبار آثارها الجيوسياسية ثانوية في مسائل الصحة والسلامة، فإن هذه الآثار قد تثبت -على المدى الطويل- أنها نتائج تبعية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموقف العالمي للولايات المتحدة.

وبحسب تقرير نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، أصبح من الواضح الآن للجميع أن واشنطن أساءت ردة فعلها الأولى، فأخطاء المؤسسات الرئيسية من البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي إلى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، قوضت الثقة في قدرة وكفاءة الحوكمة الأمريكية. أما البيانات العامة التي أدلى بها الرئيس دونالد ترامب -سواء كانت عناوين مكتب  البيت الابيض أو تغريدات الصباح الباكر- عملت إلى حد كبير على بث الارتباك ونشر الشكوك. وأثبت كل من القطاعين العام والخاص أنهم غير مستعدين لإنتاج وتوزيع الأدوات اللازمة للاختبار. وعلى الصعيد الدولي، أدى هذا الوباء إلى تضخيم غرائز ترامب ليتصرف بمفرده وكشف عن مدى استعداد واشنطن لقيادة استجابة عالمية.

لم يتم بناء مكانة الولايات المتحدة كقائد عالمي على مدى العقود السبعة الماضية ليس فقط على الثروة والسلطة ولكن أيضًا -وعلى نفس القدر من الأهمية- على الشرعية التي تتدفق من الحوكمة المحلية للولايات المتحدة، وتوفير المنافع العامة العالمية والقدرة والاستعداد لحشد وتنسيق استجابة عالمية للأزمات. ويختبر جائحة الفيروس التاجي العناصر الثلاثة للقيادة الأمريكية. وحتى الآن، فشلت واشنطن في الاختبار.

مع تعثر واشنطن، تتحرك بكين بسرعة وببراعة للاستفادة من الانفتاح الذي خلقته الأخطاء الأمريكية، مما يملأ الفراغ لوضع نفسها كزعيم عالمي في الاستجابة للوباء. وهي تعمل على الترويج لنظامها الخاص، وتقديم المساعدة المادية للبلدان الأخرى، وحتى تنظيم الحكومات الأخرى. ومن الصعب المبالغة في الخطى الهائلة لتحرك الصين. وتُدرك بكين أنه إذا كان يُنظر إليها على أنها رائدة، ويُنظر إلى واشنطن على أنها غير قادرة أو غير راغبة في القيام بذلك، فإن هذا التصور يمكن أن يغير بشكل أساسي موقف الولايات المتحدة في السياسة العالمية ومسابقة القيادة في القرن الحادي والعشرين.

وفي اوائل مارس، كانت الصين تبدو وكأنها أعلنت النصر. على الرغم من أن الحياة في الصين لم تعد بعد إلى طبيعتها، فإن بكين تعمل على تحويل علامات النجاح المبكرة هذه إلى رواية أكبر للبث إلى بقية العالم، رواية تجعل الصين هي اللاعب الأساسي في انتعاش عالمي قادم.

يُدرك شي أنَّ توفير السلع العالمية يمكن أن يصقل أوراق اعتماد قيادة القوة الصاعدة. لقد أمضى السنوات العديدة الماضية في دفع جهاز السياسة الخارجية الصيني إلى التفكير بجدية أكبر في قيادة الإصلاحات إلى "الحوكمة العالمية"، ويوفر الفيروس التاجي فرصة لوضع هذه النظرية موضع التنفيذ. لنأخذ في الاعتبار العروض الصينية التي يتم الترويج لها بشكل جيد للمساعدة المادية -بما في ذلك الأقنعة وأجهزة التنفس الصناعي وأجهزة التهوية والأدوية- في بداية الأزمة، اشترت الصين وأنتجت (وتلقت كمساعدة) كميات هائلة من هذه السلع، وهي الآن في وضع يمكنها أن تساعد الآخرين.

وعلى النقيض من ذلك، تفتقر الولايات المتحدة إلى العرض والقدرة على تلبية العديد من مطالبها، ناهيك عن تقديم المساعدة في مناطق الأزمات في أماكن أخرى. فالصورة قاتمة. تجنبت إدارة ترامب حتى الآن جهدًا قياديًا للرد على الفيروس التاجي. وحتى التنسيق مع الحلفاء كان غير موجود. يبدو أن واشنطن -على سبيل المثال- لم تعط حلفاءها الأوروبيين أي إشعار مسبق قبل فرض حظر على السفر من أوروبا.

وفي نهاية المطاف، قد يكون فيروس كورونا التاجي بمثابة نداء تنبيه؛ مما يُحفِّز التقدم في التحديات العالمية الأخرى التي تتطلب التعاون بين الولايات المتحدة والصين؛ مثل: تغير المناخ. لا ينبغي أن ينظر إلى هذه الخطوة -ولن ينظر إليها من قبل بقية العالم- على أنها تنازل للقوة الصينية. وبدلاً من ذلك، سيقطع الأمر بعض الشيء نحو استعادة الثقة بمستقبل القيادة الأمريكية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة