الكورونا البشرية

عبيدلي العبيدلي

ما يزال العالم أسير تداعيات وباء فيروس الكورونا، تشهد على ذلك الحيز الواسع، والموقع المتقدم الذين باتت تحتله أخبار الكورونا في قنوات الإعلام التقليدي منها والإلكتروني. إذ تتصدر أخباره ما تتناقله تلك الوسائل الإعلامية، وتستحوذ على فترات زمنية تفوق ما عداها من اخبار أخرى. تراجعت بفضل ذلك أخبار الساحات الملتهبة مثل العراق وليبيا، وتقزمت أمام متابعات تلك الأخبار ما كان يشد المشاهد أو المستمع أو حتى القارئ لقضايا أخرى، بما فيها تلك الاقتصادية.

سيطرت على أخبار الكورونا إحصائيات أعداد المرضى التي حصدها، والتي، تجاوزت مئات الألاف، وأرقام الموتى الذين كانوا من ضحاياه، ونتائج من تعافوا منه.

وفي خضم كل ذلك تسلطت الأضواء على النتائج السلبية الجانبية التي ولدها انتشار ذلك الفيروس، وعلى وجه التحديد الاقتصادية منها، متمثلة في تهاوي أسعار النفط، وهبوط أثمان الأسهم في الأسواق العالمية مثل نيويورك وطوكيو وأخرى تماثلها في الأهمية.

قضية واحدة غابت عن تلك العقلية الجمعية التي سيطرت على أذهان العالم، وهي ان كل ذلك الدمار الذي نجم عن انتشار فيروس كورونا، يصبح تافها، عندما يقارن مع ذلك الدمار الذي تركته الحروب التي كانت من صنع الإنسان، عندما شنتها قوى إنسانية ضد قوى أبشرية خرى.

ولعل أقرب تلك الحروب إلينا من الناحية الزمنية، وأشدها فتكا بنا، هما الحربين الكونيتين الأولى والثانية.

وبالنسبة لسبب نشوب الحرب العالمية الأولى المباشر كان قتل طالب صربي يدعى غافريلو برينسيب في 28 يونيو من العام 1914 ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته   في زيارة لهما لـ "سراييفو".

لكن المصادر المؤرخة لتلك الحرب تجمع على أن السبب الحقيقي الخفي وراء إشعالها كان "توتر العلاقات الدولية في مطلع القرن العشرين بسبب توالي الأزمات، كأزمة البلقان، والصراع الفرنسي الألماني حول الحدود، بالإضافة إلى نمو النزعة القومية داخل أوروبا، وتطلع بعض الأقليات إلى الاستقلال... يضاف إلى ذلك تزايد التنافس الاقتصادي والتجاري بين الدول الإمبريالية لاقتسام النفوذ عبر العالم والسيطرة على الأسواق لتصريف فائض الإنتاج الصناعي والمالي، والتزود بالمواد الأولية".

وعلى مستوى الخسائر المباشرة، وهذا هو الأهم عندما مقارنتها بما سببه الكورونا من خسائر مماثلة، وكما ترد في المصادر "تسببت الحرب في خسائر بشرية كبيرة حيث لقي أكثر من ثمانية ملايين شخص مصرعهم وجرح وفقد الملايين، كما خلفت خسائر اقتصادية كبيرة، فانتشر الفقر والبطالة، كما عرفت الدول المتحاربة أزمة مالية خانقة بسبب نفقات الحرب الباهظة، فازدادت مديونية الدول الأوربية وتراجعت هيمنتها الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة الأميركية واليابان".

وأسوأ من ذلك كله ما يعتبره بعض الباحثين من أن "الحرب العالمية الثانية ابنة شرعية للحرب العالمية الأولى، وأنها نتيجة طبيعية لتسويات ما بعد الأولى التي غيرت رسم خريطة العالم وخاصة أوروبا".

ويذهب بعض المصادر إلى أن " العدد الكلي للإصابات والقتلى في صفوف العسكريين والمدنيين في الحرب العالمية الأولى وصل إلى أكثر من 37 مليون نسمة. مقسمة إلى 16 مليون حالة وفاة و20 مليون اصابة مما يجعله من أكثر الصراعات دموية بعد الحرب العالمية الثانية في تاريخ البشرية.  ويتضمن العدد الإجمالي للوفيات حوالي 10 مليون عسكري وحوالي 7 مليون مدني، فقدت قوى الحلفاء حوالي 6 مليون جندي بينما خسرت قوى المحور 4 مليون جندي. واثنين مليون على الأقل ماتوا بسبب الأمراض و6 ملايين في عداد المفقودين، ونحو ثلثي قتلى الجنود كانت في المعارك ".

أما بالنسبة لنا نحن العرب، فلعل أهم إفرازات تلك الحرب المدمرة كان إنشاء الكيان الصهيوني الذي حصر الدمار الشامل، المستمر والمتنامي في آن، الذي ألحقه بالشعب الفلسطيني، منذ إنشائه، وما يزال مستمرا حتى يومنا هذا.

وفاق الدمار الذي خلفته الحرب الكونية الثانية وراءها أضعاف ذلك الذي أشرنا له بشأن الحرب العالمية الأولى.. فوفقا لإحصاءات نشرت على مواقع الإنترنت، وتناولت الدمار الذي أحثه إلقاء القنبلة النووية –فقط - على مدن يابانية، حيث "قتلت تلك القنابل ما يصل إلى 140،000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمت فيه التفجيرات. ومن بين هؤلاء، مات 15-20 ٪ متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمم الإشعاعي. ومنذ ذلك الحين، توفي عدد كبير بسبب سرطان الدم (231 حالة) والسرطانات الصلبة (334 حالة)، تأتي نتيجة التعرض للإشعاعات المنبثقة من القنابل. وكانت معظم الوفيات من المدنيين في المدينتين".

 الأمر يزداد سوءا عند الحديث عن الحرب الكونية الثانية ككل، فوفقا لمصادر موثوقة "كان العدد الكلي للإصابات والقتلى في صفوف العسكريين والمدنيين في الحرب العالمية الأولى أكثر من 37 مليون نسمة. مقسمة إلى 16 مليون حالة وفاة و20 مليون اصابة مما يجعله من أكثر الصراعات دموية بعد الحرب العالمية الثانية في تاريخ البشرية. يتضمن العدد الإجمالي للوفيات حوالي 10 مليون عسكري وحوالي 7 مليون مدني، فقدت قوى الحلفاء حوالي 6 مليون جندي بينما خسرت قوى المحور 4 مليون جندي. واثنين مليون على الأقل ماتوا بسبب الأمراض و6 ملايين في عداد المفقودين، ونحو ثلثي قتلى الجنود كانت في المعارك".

على نحو مواز ومتواصل شأن هاتين الحربين العالميتين هناك الحروب الثنائية، الإقليمية منها والوطنية، ولها ضحاياها التي لا يمكن تجاوزها، بل ولا يمكن مقارنتها بضحايا الكورونا على المستويين الكمي والكيفي.

في نظرة سريعة وخاطفة نكتشف أن ضحايا، وخسائر الإنسان، المادية والبشرية على حد سواء، الناجمة عن جشع أخيه الإنسان وأنانيته تفوقان في حجميهما ونوعيتيهما كل تلك التي ولدها الكورونا، بل ربما الفيروسات برمتها.

 ما هو أسوأ من كل ذلك، أنه بينما ترتفع الأصوات داعية لمحاربة الفيروسات، والميكروبات، من اجل استئصال مسبباتها، والقضاء عليها، وهو أمر مشروع ومنطقي، يقض العالم، وعلى وجه الخصوص العالم المتقدم، الذي بحوزته أكثر أنواع الأسلحة تطورا، وأشدها فتكا، عيونه عن تلك الجرائم التي يرتكبها الإنسان في حق اخيه الإنسان.

هذا يجرد البشر من إنسانيتهم، ويحولهم إلى ما هو أسوأ من أي نوع من أنواع الفيروسات، مهما بلغ مستوى فتكها، ودرجة خطورتها، تبقى محدودة أمام الفيروسات البشرية التي من صنع الإنسان نفسه، ووليدة جشعه وأنانيته اللا محدودتين!!