الدهاء البريطاني

 

مدرين المكتومية

أذهلني ما أعلنته بريطانيا من إستراتيجية صحية للتعامل مع فيروس "كورونا"، وهو ما كان مُفاجأة وصدمة للكثيرين؛ إذ إنَّ هذه الاستراتيجية تعتمد على نظرية "مناعة القطيع Herd Immunity".

وتتمثل هذه الاستراتيجية بالسماح بانتشار كورونا بين البريطانيين، كي يكتسبوا مناعة جماعية ولا يأتيهم الفيروس مرة أخرى، وذلك ترجمة لما قاله رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بصريح العبارة إنه لا يُمكن ايقاف كورونا ويجب أن نتعامل معه بأنه أمر واقع، وأن 70% ممن سيصابون به عليهم أن يكونوا مستعدين لذلك. ولذلك بريطانيا على خلاف أي دولة في العالم، وخاصة في أوروبا، لم تمنع المدارس ولم تُوقف حركة النقل ولم تتخذ أي إجراء، لكن واصلت الحياة بشكل طبيعي، وقالت إنَّ من سيموت ويتأثر بالفيروس من 2 إلى 3% وأكثرهم من كبار السن. جونسون قال أيضًا إن الإمكانيات والموارد الصحية في المملكة المتحدة، لا تستطيع مُعالجة الـ70%، وسيتم معالجة 5% فقط الذين هم بحاجة إلى العلاج العاجل وحالتهم خطيرة، موضحًا أن الشباب الذين سيتعرضون للمرض سيكون لديهم مناعة في المستقبل عند ظهور فيروس جديد، وهذه ببساطة "مناعة القطيع".

صحيح إنها نظرية واستراتيجية صادمة وقلبت الموازين وجاءت عكس التوقعات، لكنها أيضاً تنطوي على جانب علمي سليم، وهو التفكير خارج الصندوق، بحيث إنهم صدموا المجتمع من ردة الفعل التي تسببت في هدوئهم كمواطنين، حيث إن الأمر متروك للشخص بحيث إنهم ناشدوا الناس بالعمل عكس مفهوم التواصل الاجتماعي وهو التباعد الاجتماعي، بحيث إنه لا أحد يلمس أحدا، وهو منهج علمي قد يكون صادم إلا أنه صحيح.

إن الاستراتيجية التي أعلنتها بريطانيا على خلاف تام مع باقي الدول المتضررة التي وضعت خطط واستراتيجيات للحد من انتشار هذا الفيروس الذي أصبح حديث الصغير قبل الكبير، والبعض منهم يتحدثون عنه وكأنه مرض قاتل لا مفر منه، والبعض يعيشون على وهم أنهم مصابون به، بمجرد أن تمر عليهم بعض أعراض الأنفلونزا العادية، الأمر الذي برهن على أن خوف الناس من الإصابة به أكبر بكثير من المرض نفسه وانتشاره.. إنها حالة ذعر يعيشها العالم، فقد أصبح كورونا هستيريا وألما نفسيا يعيشه الكثيرون على الرغم من أن هناك الكثير من الناس في العالم يموتون بسبب الأنفلونزا العادية وبأعداد كبيرة أيضا تصل إلى نصف مليون شخص سنويا، وغيرهم ممن يموتون بجرائم قتل أو جوع بأعداد أيضا يمكن القول بأنها كبيرة.

وبالعودة والتأمل فيما قامت به بريطانيا، فأعتقد أن كل بلد على دراية كاملة بوضع المجتمع الذي يسكنه، وهو ما يعكس الحلول والاستراتيجيات التي تقوم بها أي دولة عن الأخرى، فنحن مثلاً قامت اللجنة العليا بعمل اجتماعات متواصلة والنظر بعين الاعتبار للمطالب الشعبوية من خلال إغلاق المدارس وأماكن التجمعات، وهو ما يتناسب معنا كمجتمع، ولكن بريطانيا قامت بتفجير قنبلة موقوتة وصدمت الشعب الذي بات منزعجاً وأصبح في اليوم التالي يعيش روتينه دون أي قلق وتفكير، فبمجرد أن استيقظوا آمنوا أن هذا ما هو بمقدرة الحكومة أن تقدمه وما عليهم هو الالتزام بالتعليمات المطروحة لضمان سير العمل على أكمل وجه وأيضاً لضمان أن يتبع المجتمع أساليب الوقاية، والتباعد الاجتماعي الذي سيجنبهم الإصابة بكورونا.