د. خالد بن علي الخوالدي
Khalid1330@hotmail.com
كلُّ شيء في هذه الحياة يمضي بإرادة الله سبحانه مقدر الأقدار ومدبر الأسباب، والله سبحانه وتعالى يجعل حكمته في أضعف خلقه كما يقال؛ لدرجة أنه ضرب مثلا بالذبابة ليوضح عجز الإنسان الضعيف أمام الإرادة الآلهية، ففيروس صغير أطلق عليه "كورونا" أرهق العالم، وبث الرعب في قلوب الكبار والصغار، وعمل على تدهور اقتصاد الدول بأسرها، ومع الأضرار الكبيرة التي خلفها هذا المخلوق الصغير، علينا أن نركز على المعاني الإيجابية التي يمكن أن نستفيد منها، ولا نركز فقط على السلبيات.
ومن أبرز الإيجابيات التي علينا تعلمها من "كورونا": تعزيز حقيقة ضعف الإنسان الذي اعتقد في قرارة نفسه أنه مسير العالم، وأن لا يوجد ما يقف أمامه، ونسي وتناسى ضعفه؛ حيث قال سبحانه وتعالى: "وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا"، ومن الأمور التي لابد أن نُعزِّزها في أنفسنا هي ضرورة أن نكون قريبين من الله سبحانه وتعالى؛ فهو سبحانه قد قال في كتابه الكريم: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، وهي رسالة ربانية إيجابية لحبيبه المصطفى، ليعلمنا إياها، أن لا نخاف من عدو ولا غيره؛ فالله وكيلنا وهو نعم المولى ونعم النصير، وهذه النظرة الإيجابية تلاشت عند الكثير؛ فقد لاحظنا الهلع وبث الخوف والرعب والتهويل والشائعات، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لدرجة أننا لا نتابع ولا نقرأ ولا نشاهد إلا عن "كورونا" - سلمكم الله.
إنَّ الايجابيات كثيرة، ولا يمكن حصرها في مقال؛ ومنها على مستوى الدولة: أنها تفتح العيون وتبصر العقول على ضرورة تجويد التعليم، فإلي متى سنظل ننتظر من يجود علينا بالدواء والغذاء والكساء ونكون مستهلكين فقط، ومتى سنرى ما نسمعه منذ سنوات عن تنوع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كسلعة متقلبة الأسعار وتقلبنا معها بين علوٍّ وانحدار، وهنا على الجهات المسؤولة تحمل مسؤولياتها بالمبادرة على الاستفادة من هذه الأزمة، والإسراع في معالجة الخلل؛ فكثرة الصفع على الوجه يعمي العين، وقد تمَّ صفعنا كثيرا من خلال الأنواء المناخية والعواصف والأمراض؛ لكننا ما زلنا نعقد الاجتماعات لتنويع مصادر الدخل بدون أفعال حقيقية.
ومن الإيجابيات على مستوى الإفراد، نجد أنَّ هذه الأزمة المتمثلة في "كورونا" أكدت ضرورة التزام الإنسان بيته خوفا من التجمعات، وهذا بحد ذاته سيقوِّي التماسك الأسري، وسيقلل من الخروج والتجمعات غير المجدية كالشلل والسهرات اليومية المتكررة خارج المنزل، وسيجعل رب الأسرة قريبًا من أسرته، وسيدرك كم هي السعادة برؤيتهم؛ فهناك أبناء لا يشاهدون آباءهم حتى في نهاية الأسبوع لكثرة طلعاتهم مع الرَّبع، كما أنَّ هذا الداء سوف يعزِّز أهمية المحافظة على النظافة الشخصية والنظافة العامة للوقاية من الفيروس، وسيذكرهم بأن "النظافة من الإيمان"، وسيعتمد الأغلبية فيما أعتقد على الطعام المنزلي بدلًا من أكل المطاعم غير الصحي بتاتا.
أمور إيجابية عديدة نستخلصها من "كورونا"، وما علينا إلا أنْ نركز عليها، ونستبصر بها، ونتماسك فيما بيننا لتعزيزها؛ من خلال القيم التي تربينا عليها والقائمة على الصبر والإلفة والمحبة والتعاون والتكاتف والترابط والتآزر والإيمان، وعلينا أن نعمل على أننا "نبض واحد" الحكومة والشعب والمقيمين في تجاوز هذه المحنة، كما تجاوزنا غيرها من قبل، ونحن قادرون على ذلك بمشيئة الله.. دمتم ودامت عُمان بخير.