حمد بن سالم العلوي
إننا هنا نقف لنعرف قيم الإنسان العُماني، ليس بارتداء أجمل الملابس وأثمنها، وامتشاق الخنجر الجميل على الخاصرة، واعتمار أجمل البشوت وأكثرها تطريزاً، أو ركوب أفخم السيارات وأغلاها قيمة وأجدها تصنيعاً، وامتلاك العدد الكبير من العقارات وأرقاها مكانة، وامتلاك عديد الشركات وأربحها عائداً، إن هذا المواطن "الهنقري" التاجر والمالك لتلك الأملاك والأموال على أرض السلطنة، فلو أنَّه أجرى مقارنة مع نفسه وآخرين غيره، فتخيَّل ذاته يعيش في واحدة من البلاد العربية المنكوبة "وهنَّ كثر اليوم"، فهل ستكون لديه هذه الثروات الكبيرة؟! وهل سينام قرير العين مطمئن البال على أمواله ونفسه وأولاده؟! لا أعتقد أنَّ الإجابة ستكون مرضية له، والأحوال شواهد أمام الأعين، وملء السمع والبصر، وهو يرى تلك الحوادث المرعبة والمؤسفة في آن واحد، تجري على أرض العرب طولاً وعرضاً.
لقد أصبحت تلك الأوطان اليوم، يحكمها أصحاب العصابات والمرتشين وقطاع الطرق، وإن من عاش تلك الويلات والعذابات، تراه ينظر لأهل عُمان نظرة من يعيش في المدينة الفاضلة، والتي ليس لها وجود إلا في الخيال، ولكن عُمان قد جعلتها واقعاً معاشاً ملموساً لكل عاقل، فلولا تعاسة الأنظمة الإدارية العقيمة، أو المعقدة عمداً من بعض المسؤولين من أنصاف الوطنيين، أو حتى بدون وطنية على الإطلاق، لأمست عُمان تعجُّ بالشركات، والتجار وأصحاب الأموال، الهاربين بأموالهم وتجارتهم من أرض الدمار والخراب، إلى عُمان أرض الأمن والأمان والسلام، والطمأنينة والاستقرار.
إنَّ عُمان أضحت اليوم تمثل التاج العالي، الذي لا يراه بعض العُمانيين بأعين منصفة، ولكن يُرى من قبل الآخرين تاجاً مرصَّعا بالياقوت والألماس، وأنتم أيها التجار والملاك، تعيشون هذا النعيم والرخاء، ولكنكم لا تقدرون هذا الأمر حق التقدير، تبخلون عليه بالقليل مما تملكون بفضله من الأموال الهائلة، وتستخسرون فيه الدفع اليسير، والذي سيعود عليكم أنتم بالفضل والأرباح الطائلة قبل غيركم، فأنتم أيها التجار العُمانيون، لا أحد يحسدكم فيما ملكتم من ثروات كبيرة، ولكن لا تنسوا أن تلك الثروات أتت إليكم نتيجة النعيم والهدوء والاستقرار، والمطلوب اليوم منكم في هذه الأزمة القومية، أن تدفعوا لأمكم "عُمان" من أجل مواصلة العطاء، ولأن فُقِدَ التوازن بين الأمن والنظام سيكون ذلك كارثة -لا سمح الله ولا قدر- فإذا اختلَّت إحدى كفتيِّ الميزان فاقرأ على الدنيا السلام، فلا قدر الله أن يختل النظام، فإن اضطرب النظام اختل معه الأمن، والعكس صحيح.
... إنَّ هذه الأزمة كافية لاختبار إخلاصنا للوطن، فلا يجوز للشركات العُمانية أن تُعطي الظهر للحكومة، وتتركها هي والمواطنين العاديين يصارعان الأزمات دون تدخل الشركات والتجار والملاك، وليس فقط العُمانيين منهم، وإنما كبار المستثمرين من الوافدين أيضاً، لأننا جميعاً في سفينة واحدة، فضربتان على الرأس مُؤلمة حقاً؛ فليس للدولة قُدرة على احتمالهما بسهولة؛ فهناك ضربة الوباء أو الجائحة الكونية، والضربة الثانية من صنع البشر "الأشرار" ألا وهي ضربة النفط المتهاوي، وعُمان لم تخرج من عنق الزجاجة بعد، وذلك بسبب المتتالية الصدعية لمصائب النفط السابقة، ولن نتحدث عن أنَّ هذا سيشكل متاعب للعهد الجديد للحكم، فليس هناك من فجوة بين العهدين، فهو عهد واحد مستمر ومتواصل - بإذن لله تعالى.
كان الناس ينتظرون أن يروا ويسمعوا أن الشركات العُمانية العملاقة -التي غطت مساحات واسعة شاسعة في العاصمة مسقط وحدها، من غير أفرعها العديدة في المحافظات العُمانية وفي دول الجوار- ولكن ما سمعنا وشاهدنا أنَّ هناك شركة صغيرة ولم تكن معروفة تدعى "جوفا للأغذية"، توجه رسالة إلى معالي السيد وزير الداخلية رئيس اللجنة العليا المكلفة بمتابعة تداعيات فيروس كورونا، وتقول هذه الشركة إنها تضع إمكانيات الشركة تحت تصرف اللجنة العليا فنقول "والنعم" بالمشاعر الوطنية، والشعور بالمسؤولية تجاه عُمان الأبية.
إن عُمان الأبية ستعيش وتقوى وترقى بالأمجاد؛ وذلك رغم الداء والأعداء، هذا ما أكده تاريخها البعيد، أنها تشقى وتتعب لكنها لا تهن ولا تستسلم! وإنما المِحن تقوِّيها وتقوي وحدتها الوطنية، فلا هلع ولا خوف أبداً، والمقدَّر من الله سيجري رغم المحذور، ولكن علينا أنْ لا نجلس ننتظر مجرى الأقدار، بل علينا الأخذ بالأسباب، وعدم إلقاء النفس في التهلكة، وأننا نحن عُمانيين لا نتوسل الصدقة من أحد، ولكن ننشد التكاتف والتكافل والتعاضد فيما بيننا، وعندما نذكِّر الشركات بواجبها تجاه عُماننا جميعاً، ولأننا نعرف أنَّ هناك أموالًا ضخمة تكنز وتضارع ميزانيات دول، وما يُصرف اليوم يعود ريعه بالغد مضاعفاً على الجميع، ومن يجهل واجبه الوطني تجاه بلده فهو عاق؛ فهناك مقترح أورده الزميل الكاتب علي بن مسعود المعشني في واحدة من تغريداته، فيلزم الأمر التفكير في طرحه للتطبيق خلال هذه الفترة، ذلك إن لم يعرف الناس واجبهم القومي.
وأقترح على اللجنة العُليا المكلفة بمتابعة جائحة كورونا، أن تُنشئ صندوقاً خيرياً تحت اسم "صندوق الوفاء لعُمان"، وتفتح له حسابات في كل البنوك المحلية، وأن يُعيَّن مندوبين للصندوق، يزورون أصحاب الشركات، وتذكيرهم بأنهم في عُمان، وأنهم ليسوا بمعزل عنَّا، ولا نحن بمعزل عنهم، فربما تكون شغلتهم الأرقام، ونسوا مكان وجودهم، وربما لا يعلمون بالوباء المنتشر حول العالم، وأن يُسلموهم أرقامَ الحسابات البنكية، فلعلهم يريدون التبرُّع سرًّا، وإن كانت العلنية أفضل للتشجيع والمنافسة، وكذلك يُعلن عن هذه الحسابات في الصحف المحلية، ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، لمن يرغب في أن يدفع شيئاً لعُمان حتى لو ريال واحد، وأن تكون هناك شفافية في المبالغ المُوْدَعة، وكيفية التصرف بها، وأن يستمر الصندوق كبادرة وطنية خيِّرة، تخدم عُمان وشعبها في العوارض الطارئة.. فعاشت عُمان الخير في عز وهناء، وعاش قائدها هيثم سُلطاناً إماماً سيداً معظماً.