مدرين المكتومية
"المصائب لا تأتي فرادى.. لكنها تأتي جماعات جماعات".. هكذا لخص ويليام شكسبير في مسرحيته الخالدة "هاملت"، ما يشهده العالم من كوارث منذ أن بدأ عام 2020، فمنذ مطلع العام والكوارث البيئية والصحية والاقتصادية تتداعى على رؤوس سكان هذا العالم، بداية من "كورونا" وتفشيه السريع بين البشر، وتداعيات ذلك على قطاعات حيوية مُؤثرة في الحياة، مثل السياحة وحركة الطيران، وتنظيم المؤتمرات، ومرورا بالصراعات الإقليمية التي لم تهدأ، وحتى أزمة أسعار النفط والحرب الشرسة بين كبار المنتجين، وغير ذلك من مُشكلات تهز العالم.
منذ أن بدأ العام، لم نتمكن من التقاط أنفاسنا، فقد بدأ يناير بموجة من الأحزان بعد فقدان أعزَّ النَّاس، واختطاف أرواح الكثيرين ممن نعرفهم مباشرة ومن لا نعرفهم، فسادت حالة من الحزن وخيم السواد على نفوسنا، ولم تترك لنا 2020 في بدايتها مساحة لكي نهدأ وترتاح قلوبنا وعقولنا، فلم تعرف نفوسنا طريق الاطمئنان بل ضلت سبيلها نحو النجاة من هموم الدنيا ومتاعبها.
وخلال يناير أيضا تفاجأ العالم بكورونا، وما أدراك ما كورونا؟ ذلك الفيروس الخبيث الذي بثَّ الرعب في نفوس الجميع، ودمر قطاع السياحة والطيران والسفر والفنادق والمؤتمرات، وأصبحت كل دولة تتجه لعزل نفسها من هذا الشبح المرعب، الذي يقتل بيد خفية، لا يُرى لا بالعين المجردة ولا بالمناظير أو غيرها، وما زاد الطين بلة، انهيار أسعار النفط وتهاوي أسواق المال.. فإلى أين نحن ذاهبون؟!
كورونا الذي أول ما ضرب، ضرب العمق الصيني في ووهان، فتحولت مدن هذا الإقليم إلى مدن أشباح، خالية من البشر، والجميع يخشى الخروج من عزلته، وكأنَّ الحياة عادت إلى ما قبل خلق آدم، إذ هجر السكان المناطق الموبوءة قبل أن تقرر السلطات غلق المدن على من فيها ومنع دخول أي شخص لها، وعلى مستوى الدول، أُغلقت الحدود وتوقفت حركة الطيران، وبدأ حظر السفر بين دول عدة في التصاعد، حتى إن رحلات العمرة إلى بيت الله الحرام تمَّ وقفها بالكامل!
تحولت بلدان مثل إيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية إلى بؤر تفشٍ للمرض، أعداد كبيرة من البشر شعروا أنها نهاية العالم، وأنَّ القيامة أوشكت، فمنهم من خزن الأغذية والمعقمات والمحارم المطهرة، وغيرها، ومنهم من توقف عن الذهاب إلى المدارس والجامعات والعمل، أو الترفيه، الجميع حبس نفسه في منزله، وكأننا أمام مشهد نهاية العالم في أحد أفلام هوليوود!!
2020 سنة كبيسة من الناحية الحسابية، لكنها أيضًا كبيسة من الناحية النفسية علينا، إننا نخشى أن تكون سنة الانهيارات الكبرى، التي نجم عنها الكثير من المُنجمين، وحللها الكثير من الاقتصاديين، والذين قالوا إنها سنة الكساد العظيم، ليشبهوا ما نمر به بما مر به العالم في فترة مُماثلة من القرن الماضي، عندما ضرب الكساد دول العالم، وتبع ذلك اندلاع أضخم حربين في تاريخ البشرية راح ضحيتهما ملايين البشر.
شهدنا خلال 2020 إفلاس شركات وتعثر حكومات عن سداد ديونها، مثل لبنان، ودخول بلدان أخرى في مُواجهات على الحقوق المائية، ومحاولات اغتيال لشخصيات كبيرة في العالم، وانهارت الشركات والبورصات، وألغيت فعاليات رياضية عالمية، منها مُباريات كرة قدم بين كبرى الفرق حول العالم، وخاصة في إيطاليا، وأوروبا بشكل عام.
وفي ظل الوضع الراهن من حالة الذعر التي شملت كافة مناحي الحياة، تم إلغاء الكثير من الفعاليات والمؤتمرات الدولية، رغم ما تمَّ إنفاقه على التحضير لها والاستعداد لها منذ سنوات، فمثلاً معرض إكسبو دبي 2020 تجري الاستعدادات له منذ سنوات، فما بالنا لو تمَّ تعطيل هذا الحدث العالمي أو إلغائه، فكم من المليارات قد ذهبت مع الريح؟ وكم من وظائف سيفقدها أصحابها؟ وكم من الأموال أيضاً ستحتاج إليها الشركات والحكومات لتعويض ما تعرَّضت له من خسائر؟
إن حالة الهيستيريا العالمية التي باتت تُخيم على الوضع العام، يجب ألا تستمر، وألا نسمح لمشاعر الذعر والهلع أن تنال منِّا، وعلينا الإيمان بأنَّ القادم أفضل، وأن المستقبل المشرق ينتظر من يجتهد ويُكافح، حتى لو تكالبت عليه الدنيا، وقبل كل ذلك أن نؤمن بقدرتنا على الإنجاز، وأن نقتنع في داخلنا بأننا مخلوقون في هذه الحياة كي نتجاوز الآلام والمحن، ونتخطى الصعاب، فالله لم يخلقنا لكي ننعم ونعيش في رفاهية، وإن كنَّا نستطيع أن نعيش فيها، لكن علينا أن نلتزم الجدية، أن نلتزم الصدق والإخلاص مع أنفسنا ومع من نحب، وهؤلاء تحديدا يجب أن يكون لهم المزيد من الإخلاص والتفاني، ومن نحب هنا ليس فقط الأشخاص الذين يملأون علينا حياتنا والذين يجب أن يكونوا أحد أوجه نعيم الدنيا، لكن أيضًا الحب هنا مرتبط بالعمل والإنتاج، مرتبط بحب الوطن والتضحية من أجله، مرتبط بحب الذات والنفس من خلال حمايتها من الشرور والآثام وأخطاء النفس.