هل الفلسفة توجه الاستراتيجية؟

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

عندما طرحت هذا الموضوع لأول مرة على صديق يهتم بهذه المواضيع سألني من أين أتيت بهذا العنوان؟ فقلت له: وأين هو سوق العناوين؟ فقال لا يمكنك أن تأتي بعنوان كهذا دون مرجع، وكان يلّمح على الأسماء والكتب والدوريات الأجنبية وبعد نقاشٍ طويل خرجت منه خاسراً وذلك بعد أن عزز نظرته وفكره صديق آخر.

عدت إلى نفسي، وقلت نعم إنهم على حق، واعتقد أن الفكر العربي من الصعب جداً وبعد هذه الهيمنة المتكاملة وفي جميع النواحي أن يكون له حيز ولو قليلاً من المقدرة على المنافسة أو حتى القبول في العالم المتقدم؛ وبذلك ما علينا إلا أن نستمع لما يقولون، وأن نتناول الدواء الذي ينتجونه.

في العام 2011 عندما دمرت دول عربية كبيرة وقتل عشرات الآلاف وشرد أمثالهم في بقاع العالم ودمرت أسلحة ومعدات وبنى أساسية كثيرة أسماه الغرب (الربيع العربي) فردد هذا المسمى المثقف والجاهل وتناقلناه في نشراتنا الإخبارية، ولم يعترض عليه أحد فقط لأنّ المسمى رسمي (من الغرب) أسمونا بالعالم الثالث ولحل القضية الفلسطينية (خارطة الطريق) ومن أكثر من جهة تردد (الشرق الأوسط الكبير)..

وإننا لا نقبل بهذه الأسماء وحسب بل تكون ملاذنا وحياتنا وكل شيء.

بعد هذا التوضيح كله فليس لي فيه كثير اجتهاد غير أنى أتلمس فكراً يمكن أن نستفيد منه عملياً بسبب هذا الاعتقاد الذي له دور كبير جداً في حصر التطور والإبداع والعمل الإيجابي في حياتنا ولست مدعياً أن الغرب لا يعلم فعكس ذلك تماما.

إن أحداً من الغرب لن يفكر نيابةً عنا، والأكبر من ذلك أن طبيعة وجغرافية أوطاننا وقلة مياهها، ودرجات الحرارة قد يكون مشهداً جميلاً، وفرصته لتغيير نمط حياتهم، وليست مقراً أو مستقبلاً أو عيشاً لهم؛ وبذلك لن يعطونا أي فكر أو فلسفة حياة جديدة ومفيدة على الإطلاق؛ بدليل أنّ واحداً من رحالة الغرب عندما زار عمان بعد سنوات من رحلته الأولى أبدى انزعاجه الكبير وقال في كتابه: "إنها ليست تلك المناطق التي مررت بها يوماً لقد شوهت بمباني الإسمنت وأصبح لديهم سيارات".. وعلى أي حال وكما ذكرت فليس لي أدنى اعتراض حتى من قبولنا للكثير من أفكارهم فهم مثقفون ومنتجون بجدراة ولكن سؤالي للعقول العربية: كم دراسة توجد في رفوف الوزارات والمعاهد والجامعات؟ ومن قام بها؟ وكم دفع لها؟ وما هي الفائدة الفعلية التنفيذية منها؟

والسؤال الآخر عندما تقول إحدى الجهات إنّها تعد خطة استراتيجية أو دراسة استراتيجية فهل تعلم إنّها هي لا تقوم بأكثر من ملء مربعات مفروضة ومعدة ولا تخرج من إطار فكرة موارد وإيجاد مخارج لها مثلا: كنموذج (سوات) فهل نحن ما زلنا في طور محو الأمية من العلم وإننا نفتخر أننا وصلنا إلى الحديث في الاستراتيجية أو عنها فمثلاً عندما نعد خطة أو دراسة عن التعليم فنحن نناقش الخيار في اتباع نظام تعليم السويد أو بريطانيا أو التعاقد مع الجامعة الفلانية أو الحقيبة المدرسية أو مستوى ونوع الموجهين وغير ذلك.

وفي نظرنا هذا تقريبا أعلى ما يمكن أن نصل إليه من حلول استراتيجية وفي الحقيقة أن هذا تفصيل لفكرة فلسفية مفصلة نوعاً ما تناسب قوماً بنوا عليها خطط تنفيذية قد لا يناسبنا شيء منها على الإطلاق بدليل أنّ خريج أرقى جامعة يختصر مترين ليدمر عشبا على ممر وإذا توقف الطريق ولو لثانية واحدة فسيستخدم أقوى منبه في سيارته بل سيخرج من كتف الطريق ستجدنا مبعثرين أمام أي مكان يحتاج إلى طابور منتظم، وإن دخلنا إلى مطعم ستجد مستوى وأسلوبا وأصواتا غير مناسبة، وإذا فتُح لنا الباب لن نمسك به لمن هو بعدنا، أمّا الانتظام والعمل والإبداع فيه والتعامل والفكر الجماعي فهو حديث ذو شجون عميقة طلبنا طويل وعريض وعطاؤنا محدود.

وفي النهاية الأكبر دورنا في الحضارة العالمية صفر، وفي المسافة ما بين استراتيجية تعليمية وفلسفة فكرية.. تعيش أمّة تصرف ريع البترول وتذهب صباحاً إلى المدرسة وتعود في المساء في أمر منظم به عالم من المعلمين والإداريين، ووزارة بها مئات الآلآف من الأفاضل من الناس لو كانوا قد وجهوا إلى عمل وأسلوب أفضل منه والله لفعلوا دون تردد؛ ولكن تلك هي الحلقة المغلقة التي أوجدوا فيها وهم فيها يدورون جيلاً بعد جيل.

وهنا وبغرض التوضيح لفكرتي فإنّ توجيه الاستراتيجية وإن سُميت بالفلسفة الفكرية والتي هي الموجه العام وهي المعنية بكل تفصيل ما يليها وكما قلت فإنّ من يوجد تحت تلك المظلة فسيعمل وبكل جدارة وبدليل آخر أنّ كل عربي يتواجد في أي دولة غربية يبدع أفضل من الغربي نفسه، وليس في مستواه الفكري ما يمنعه أو يحد من إبداعه وكل الفرق أنّه ضمن دائرة وبرنامجا ونظام عمل مناسب.

وأخيرا كيف توجه الاستراتيجية؟ فلن أدعي أن حلاً أضمن نجاحه أستطيع أن أطرحه اليوم غير أنني سوف أعطي مثلاً ليس أكثر.. إذا كان في الغرب مثلاً يأتي الطالب من عمر السادسة أو الخامسة لينتظم في فصل دراسي ليتعلم الدروس فذلك توجه يناسبهم وبه ناجحون؛ والطفل يخرج من منزل أبويه مكتمل السلوك تقريباً، فهو يستخدم الشوكة والسكين بكل احتراف ويقف بانتظام والكثير مما يحتاج ليكون راقياً في بيئته بما يناسبهم؛ ولأننا نحن الأجيال السابقة لم نتربّ على كرسي الأطفال في السيارة ولم نتجرع أسلوب الصبر والهدوء في الماضي، ولذلك فحتماً على الأجيال القادمة أن تكون أفضل وبأسلوب يفرض حتماً وهذا ليس مستحيلا ولكن فقط يحتاج إلى فلسفة توجه استراتيجية التعليم ليس أكثر، فإذا كان الطفل لديهم ينتظم للقراءة والكتابة فما يناسبنا هو ولمدة الخمس سنوات الأولى ينتظم الطفل ليتعلم السلوك بل يمكن أن تكون هناك مدارس خاصة للسنوات الأولى بها كل ما سيحتاج الطفل لحياته اليومية مستقبلاً من وسائل النقل المطاعم، البنوك، المجسّمات وكل شيء.

هذا التعليم العتيق الحالي يجب ألا تزيد نسبته عن 25‎%‎ فعندما تكون بحاجة إلى تغيير الفكر يجب أن تكون لدينا الشجاعة الكاملة لتبني فكر به اختلاف غير اعتيادي، ونصمم على تنفيذه رغم عدم قبوله من الناس؛ الذين لا يملكون التصور البعيد المدى الذي هو خارج أفقهم المحدود.