ضرورة الفحص المبكر قبل الزواج (1)

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

لا يخفى على لبيب ما تُمثله الأمراض الوراثية من خطر داهم على مُستقبل أي دولة كانت وخاصة إذا تعلق الأمر بجيل المستقبل حيث تُعد الأمراض الوراثية واحدة من أبرز المُشكلات الصحية التي تُؤرق القائمين على الخطط التنموية لاسيما السياسات الصحية منها، ويكفي أن نعلم الحقيقة الصادمة أنَّ 60% من العمانيين يحملون جيناً من جينات أمراض الدم الوراثية ولا شك أنَّ هذه النسبة العالية تجعل مجتمعنا العُماني عرضة لخطر الإصابة بهذه الأمراض، الأمر الذي يستدعي وقفة جادة وحازمة من قبل الجميع بدءاً من الفرد نفسه بصفته رب الأسرة ومروراً بالمجتمع وانتهاءً بالدولة.

 

إنَّ هذه النسبة الكبيرة من سكان السلطنة الذين يحملون جينات لأمراض الدم الوراثية تُبين لنا خطورة هذه الحالة على مستقبل الأفراد والعائلات والمجتمع العماني ككل، خاصة إذا علمنا أنَّ المُجتمع العُماني مجتمع فتي، أي أن نسبة الشباب فيه أكثر من غيره كذلك فإنَّ تبعات هذه الحالة تطرح على كاهل الدولة أيضًا أعباءً مالية كبيرة تتمثل في مصاريف علاج المُصابين وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم ويكفي أن نعلم أنَّ احتمالية ولادة طفل واحد مصاب بأحد العيوب الخلقية أو بأيٍّ من الأمراض الوراثية بالسلطنة تتراوح بين 5.4% إلى 7% من بين جميع المواليد الجدد متجاوزة بذلك النسبة العالمية التي لا تتعدى الـ 4.5%. وقد أظهرت البيانات الإحصائية أن 37% من وفيات الأطفال حديثي الولادة والخدج هي بسبب الاضطرابات الخلقية الوراثية الشديدة بينما تشكل الاضطرابات الخلقية الوراثية 10% من بين الأسباب المقيدة لوفيات الأطفال الرضع و52% من أسباب الوفاة في الأطفال الأكبر من ذلك بالسلطنة.

 

ومما لا يعلمه الكثيرون أنَّ الأمراض الوراثية تشكل بكافة أنواعها عاملا مهماً في حدوث ظاهرة الإعاقة السمعية والبصرية والحركية وغيرها وتدل أحدث الإحصائيات على أنَّ نحو 10% من العائلات العمانية يوجد بها طفل مصاب بأحد الأمراض الوراثية التي تؤدي إلى الإعاقة، كما أن الوراثة من أكبر أسباب الإعاقة حيث إنَّ هناك علاقة إحصائية طردية بين زواج الأقارب الذي بدوره يؤدي لرفع نسبة التشوهات الخلقية إلى الضعف وبالتالي يؤدي إلى زيادة نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة نتيجة لهذه المعضلة الصحية.

مما سبق نستنج أنَّ أغلب الأمراض الوراثية تزداد معدلات الإصابة بها بين مواليد زواج الأقارب مُقارنة بمواليد زواج الأباعد ولكن من المهم التوضيح هنا أن هذا لا يعني تمامًا أن كل زواج بين الأقارب سيؤدي إلى ولادة أطفال مصابين بأمراض وراثية ففي أحيان كثيرة لا تخضع عملية توارث الجينات المعطوبة للقرابة بل تنتشر لأسباب لا علاقة لها بزواج الأقارب مطلقاً ولكن زواج الأقارب لا يمكن نكرانه أو تجاوزه كونه عاملاً رئيساً ومؤثراً في تجميع المورثات أو الجينات المتشابهة التي تؤدي إلى ظهور المرض الوراثي وذلك لأن منبع هذه المورثات واحد وهم الآباء الأوائل الذين يجتمع فيهم الزوجان القريبان فإذا ما كانت الجينات المتشابهات في الزوجين سليمة كانت الذرية سليمة أما إذا كانت معتلة أو بها طفرة مرضية فإنه بالتبعية يؤثر المرض على الأولاد.

كما أوضحت الدراسات البحثية في مجال الوراثة المرضية وبشكل مستفيض مجموعة من النتائج الهامة فيما يخص علم الوراثة المرضي حيث بينت أنَّ الجينات تكون متشابهة بين أبناء العمومة والخؤولة فكل فرد يشترك مع أعمامه وأخواله وعماته وخالاته في ربع المورثات ويشترك مع أولاد العم والعمة والخال والخالة في ثمن المورثات ومن هنا نستنتج أن نسبة التقاء المورثات المرضية من الأب مع مثيلاتها من الأم ترتفع وبالتالي يزداد احتمالية انتقال الصفة المرضية الوراثية للأولاد بينما يقل عدد المورثات أو الجينات المتشابهة بين الزوجين في حالة البعد في القرابة، كما أوضحت دراسات المسح البياني للحالات المصابة بالأمراض الوراثية أن معدل الأمراض الوراثية في زواج الأقارب يرتفع إلى ما يقارب 4% أما في زواج الأباعد فيتراوح بين 2% إلى 3% .

وخلال هذا المقال سلطنا الضوء على الواقع المعاش للأمراض الوراثية لدينا في السلطنة وتأثيرها على كينونة الشعب العماني وخطرها الجسيم على جيل المستقبل وفي المقال القادم بمشيئة الله سوف نتطرق لزواج الأقارب في السلطنة والحفاظ على نسيج الشعب العماني الصحي حاضرا والأهم مستقبلاً ودور كل من مجلس الشورى مُمثلا في اللجنة الصحية ووزارة الصحة ممثلة في المركز الوطني للصحة الوراثية وما يقومان به من جهود في هذا المجال ومن أهمها مُبادرة أهمية الفحص المُبكر قبل الزواج لتكوين جيل صحي آمن لمستقبل أفضل إشراقاً.