تطلعات للعهد الجديد (2- 3)

 

علي بن سالم كفيتان

 

يقول أحدهم أريد حدوث تغيير هادئ مبني على دراسة مستوفية وعقلانية تضع نصب عينها مصلحة الوطن والمُواطن وكما يقول صاحبنا وهنا الكلام على لسانه لا أرغب في حدوث زلزال يُغير كل معالم المشهد كما كان قبل السبعين؛ فالأمران مختلفان تماماً فهو يرى أن التغيير الثأري غالباً ما يخلف هزات ارتدادية يكون أثرها أشد وأعمق وينظر هذا الرجل من زاوية تغليب مصلحة الحفاظ على ما هو موجود وهذه الفئة لا ترى الصورة وردية ولا تحلم كثيراً وتستحضر اللون الرمادي غالباً.

كنت في السوق فاستوقفني رجل لا أعرفه وحدثني قائلاً؛ اكتب مقالاً تاريخيًا يا ابن كفيتان فقلت له وعن ماذا عساه يكون؟ قال: أرغب في تغيير كل الوجوه المألوفة مهما كانت إنجازاتها، فقد آلت جميع تلك العقول إلى الدعة ولم تعد تمتلك زمام المبادرة ورغم حبنا للبعض وتقديرنا لخدماتهم فإننا مجبرون على فراقهم ورغبتنا أن نرى رحيلهم قبل رحيلنا.

كنت بعد صلاة العصر جالساً في إحدى جنبات المسجد وفي العادة تكون هناك جلسة خارج الجامع في مثل هذا الوقت وعند خروجي انضممت إليهم فالقهوة والتمر لا مفر منهما وكان جل حديثهم عن التغيير الصادق الذي يمنح الأيادي المخلصة الناصعة فرصة لاختبار صدقيتها وإخلاصها لتثبت القيم العالية المستندة إلى عقيدة ثابتة لا تتزعزع وتقود إلى العدل والمساواة وحفظ الحقوق وحسن استخدام الموارد وهؤلاء يستندون إلى قول الله تعالى في كتابه العزيز (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين) وقوله تعالى (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).

وفي يوم آخر قادني فضولي وسألت شابا جالسا أمام إحدى الدوائر الحكومية: هل أنت باحث عن عمل؟ انفجر في وجهي صارخاً "نحن لسنا باحثون عن عمل بل باحثون عن عدالة اجتماعية"، قلت له هذه نظرة فلسفية جديرة بالنقاش فنحن على أعتاب مرحلة جديدة قال لي قبل أن يلملم أوراقه ويتركني وحيدا على ذلك الكرسي الخشبي المخصص لانتظار المراجعين: "اسمعني ياخي لا تهمني الإجراءات الشكلية، فهي تقوم على عاطفة الناس المفجوعة بغياب قائد حمل همّ بلاده لنصف قرن"، ولا زالت كلمات هذا الشاب ترن في أذني إلى اليوم.

وقال لي رجل أعمال يقبع في مقهى فارهٍ بأحد المولات: "أنتم مستعجلون.. ففريق الإنقاذ الذي تحمل تبعات 2011 وانتكاسة أسعار النفط منذ 2014 قام بأدوار جليلة لا يعلمها عامة الناس فالبلد كان على شفير.... فتم تطوير الموانئ والمطارات والطرق وتأهيل البنية الأساسية في ظل متغيرات اقتصادية صعبة كانت تطلبت إجراء عمليات جراحية دقيقة تمثلت في رفع الدعم عن المحروقات والخدمات الأساسية وفرض بعض الرسوم وهي ما أبقى العجلة تدور إلى اليوم رغم بطئها". ومن فرط حماسه أقام جلسته وخاطبني بأصبعه متهماً وقال: "أنتم الكتاب والصحفيون تدغدغون الرأي العام عبر استدرار عواطف الناس"، فبلعت لساني على الفور وانسحبت من هذا الحوار مخافة أن يستدعي لي الشرطة.

امرأة عُمانية ذات حضور لافت وشخصية اجتماعية مرموقة، قالت لي: "يجب أن يتم تشجيع سياسة الإنجاب لأن المورد البشري هي الثروة الحقيقية لأي بلد"، واستشهدت بنمو الكتلة السكانية الوافدة وضمور الكتلة السكانية الوطنية عامًا بعد آخر حتى نصبح أقلية في بلدنا عما قريب فيتحكم الوافد بصنع القرار، وكما تقول والكلام لها "سنصبح مثل الهنود الحمر"، فدخلتني وجهة نظرها ورأيت فيها شيئًا من الصواب، لكنني لم أسألها عن كيفية تشجيع سياسة الإنجاب مخافة أن يدخل النقاش إلى تعدد الزوجات وأخسر المُواجهة.

وأخيرا وجدت نفسي أمام أحد المنظرين وجها لوجه في مطاعم المظبي بمنطقة أتين فقال لي: "أنا انتظر عمودك كل أسبوع وتعجبني كتاباتك عن الماضي"، قلت له أتركنا من الماضي نحن على أعتاب عهد جديد فجال بعينيه عالياً ثم قال: "لا مفر من كنس الكل ومحاسبة الكل"، فقلت له مستنكراً فمن سيبقى لخدمة الوطن؟ أجابني بسرعة فائقة قائلاً: "المخلصون فقط".