أثنوا على التوجّه السامي نحو تقليص المديونية العامة وتعزيز "التنويع" والاستدامة

أكاديميون: خطاب جلالة السلطان يستشرف المستقبل ويؤطر ملامح الاقتصاد الوطني

 

الوردي: يواكب مستوى التحديات والطموحات لدعم النهضة المتجددة في عُمان

كشوب: أعطى إشارة إلى لإيجاد إطار وطني شامل كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني

اللواتي: التقييم الدوري والمناقشات الشفافة ضرورة لمنع أي قصور في تطبيق الاستراتيجية

أكّد عدد من الأكاديميين وخبراء الاقتصاد أنّ الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- يتماشى مع تطلعات المرحلة المقبلة من عمر النهضة المباركة، مركزا على الملف الاقتصادي لمواكبة التحديات التي يواجهها وللانتقال بعمان إلى مستوى طموحات أبنائها.

وقال الدكتور محمد بن حميد الوردي الأكاديمي والمحلل الاقتصادي إنّ الخطاب كان اقتصاديًا بامتيازٍ غير مسبوق وباهتمام متعمق لأدق التفاصيل بما يتماشى مع تحديات ومتطلبات المرحلة القادمة كما جاء الخطاب انعكاسا لرؤية "عمان 2040" التي ترأسها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم؛ حيث تطرّق في خطابه السامي إلى عدد من التحديات الاقتصادية، وهي المديونية العالية والاعتماد المتواصل على النفط كمصدر وحيد للدخل، وكذلك العجز المتواصل للموازنة، وأيضا البطالة بين الشباب وإرهاصات الشركات الحكومية، وكفاءة وفعالية الجهاز الحكومي للدولة وأيضا تطرّق إلى التحديات الدولية.

 

الرؤية - مريم البادية

وأضاف الوردي أنّ جلالته تطرّق إلى الاقتصاد المستقبلي حيث يخطط ليتّسم باقتصاد المعرفة القائمة على التعليم والبحث العلمي والابتكار، وتمكين القطاع الخاص؛ وخصوصًا قطاع ريادة الأعمال على القيام بالمشاريع التي تعتمد على الابتكار والذكاء الاصطناعي.

وأشار الوردي إلى أنّ الخطاب تطرّق لآليات التنفيذ من خلال إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لرفع كفاءته، وتحديث التشريعات والقوانين لضمان النزاهة والمحاسبة، وتطوير آليات صنع القرار الحكومي بما يضمن شراكة المواطنين في بناء وطنهم، وحوكمة الأداء، وكذلك تبني أحدث الأساليب للتغلب على البيروقراطية ومراجعة أعمال الشركات الحكوميّة.

وذكر الوردي أنّ انتقال جلالته للتخطيط لحل مشكلة البطالة من خلال تطوير إطار وطني شامل للتشغيل وتحسين بيئة التشغيل بالقطاع العام، والخاص لتمكين الشباب من الانخراط في سوق العمل وكذلك مراجعة نظم التوظيف بالقطاع الحكومي وأيضًا تبني سياسات عصرية تتسم بالمرونة والفعالية للاستفادة القصوى من الموارد البشرية.

وأكّد الوردي أنّ المرحلة الحالية للسلطنة تتسم بصعوبات جمة تتمثل في عجز تراكمي للموازنة (يقدر بنحو 20 مليار ريال) ودين حكومي (يقدر بنحو 16 مليار ريال) وتصنيف سيادي منخفض زاد من فائدة الديون لتصل إلى 6% مما تسبب في تباطؤ اقتصادي، وارتفاع أعداد الباحثين عن عمل؛ مشددا على أنّ خطاب جلالته واكب مستوى التحديات والطموحات لدعم النهضة المتجددة في عُمان.

وأبرز الوردي ثلاث ملامح بالخطاب، وهي انتهاج ذات النهج السامي للسلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- رحمه الله- في السياسات الداخلية والخارجية، إلى جانب تصدّر الملف الاقتصادي لمعظم مضامين الخطاب وذلك لمواكبة تحديات المرحلة، فضلا عن عصرية الخطاب بتضمّنه المصطلحات العصرية كالذكاء الاصطناعي والابتكار والتقنيات المتقدمة.

وتابع الوردي أنّ خطاب جلالته- أيّده الله- تميز بالصراحة في تشخيص المشكلة ووضع الحلول المناسبة لها فقد صرح بدون تورية بتحديات السلطنة؛ وهي: المديونية العالية والعجز المتواصل والتباطؤ الاقتصادي والباحثين عن عمل، إلى جانب ذلك تطرق الخطاب إلى وضع الحلول الجذرية من خلال تطوير التشريعات لضمان النزاهة والمحاسبة والحوكمة.

ومن جهته، قال الدكتور أحمد بن سعيد كشوب، رئيس الجمعية العمانية للأوراق المالية، إن صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله- وضع مؤشرات واضحة فيما يتعلق بأهمية ترشيد الإنفاق وتخفيض عجز المديونية في ميزانية الدولة، وكذلك تعزيز الإيرادات العامة، وهي قضايا في غاية الأهمية.

وأضاف كشوب: "عندما نقرأ رؤية عمان 2040 نجد أنّ من أبرز الملامح التي تتضمنها تحقيق التنوع الاقتصادي والاستدامة المالية، والتي تشتمل على عدد من المؤشرات؛ كمساهمة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة الإنفاق العام، ومعدل الدين العام، وأيضًا نسبة مساهمة المعرفة في الناتج المحلي الإجمالي، ومؤشرات جاهزية الشبكات، ومؤشر التطوير الاقتصادي، فوضع ملامح لهذه الرؤية، وتنفيذها لن يتحقق دون إعادة هيكلة منظومة الجهاز الإداري للدولة، وكذلك تعزيز دور القطاع الخاص، فهذه المؤشرات الأساسية تؤكد على ذلك، وركّز على القطاع التعليمي الذي له صلة مباشرة بالجانب الاقتصادي، لتهيئة الكوادر الشبابية العمانية حتى تستطيع تحقيق نتائج إيجابية".

وقال كشوب إنّ الرؤية المستقبلية ركزت على عدة مؤشرات وجميعها تصب فيما ذكره صاحب الجلالة المعظم في خطابه بكل وضوح؛ حيث ركّز بصورة مباشرة على مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، موضحا أنّ الهدف من هذه الرؤية هي الوصول إلى أكثر من 90% من إسهامات هذا القطاع في الناتج المحلي، وهذا سينقسم إلى 10 سنوات من عام 2020- 2030 وبعد ذلك إلى عام 2040، فالخطوة كانت واضحة جدا، وكان هناك مؤشر فيما يتعلق بمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والمستهدف في حدود5%، وكذلك متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والتي تصل إلى 90% وهذا استهداف عالٍ جدا، وأيضا نسبة الاستثمار المحلي إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يصل إلى10%.

وشدد كشوب على أنّ الخطاب السامي أعطى إشارة إلى إيجاد إطار وطني شامل للتشغيل على اعتبار أنه ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، مضيفًا أنّ الخطاب أيضا تطرق إلى المديونية؛ حيث إن أي دولة تزداد مديونيتها إلى أكثر من 60% إلا وأصبح هناك مؤشر خطر، ويتثمل في ذلك عدم وجود مقومات كأصول مقابل هذه المديونيات على اعتبار أنّ المورد الوحيد الذي نعتمد عليه هو مورد النفط، ولكن بالتوجه القادم في التنويع الاقتصادي ومساهمة القطاع الخاص ليغطي 90% من إجمالي الناتج المحلي فهذا بحد ذاته سيساهم في رفع الاقتصاد الوطني.

وأشار كشوب إلى استيعاب الاستثمارات الخارجية وإيجاد الأمن والاطمئنان من خلال رفع الأداء والنزاهة والمحاسبة، وكذلك تطوير الجهاز الإداري، وإيجاد توازن مالي بحيث لا يزيد الإنفاق على الإيرادات فيما يطلق عليه الموازنة الصفرية، فنحن في المرحلة القادمة بحاجة إلى موازنة الأداء والبرامج.

وتطرق كشوب إلى الحوكمة وفصل السلطات حيث يشعر المستثمر المحلي والأجنبي بأنّ هناك فصلا في السلطات، ولا يوجد تداخل فيها؛ سواء ذلك في الجمعيات العامة للشركات أو مجالس إدارتها أو المتنفذين الملاك الذين يملكون حصصا كبيرة جدا.

وأكّد كشوب أنّ الشركات الحكومية والتي تأسس بعضها منذ السبعينيات عندما لم تكن هناك شركات تابعة للقطاع الخاص لذا فكانت هذه الشركات هي الرافد الأساسي للدولة والمجتمع، وكبرت هذه الشركات وكان الجزء الأكبر منها ما زالت تعمل في البنية التحتية، فقطاع الطيران والموانئ والطرق، تحتاج مئات الملايين للإنفاق عليها، وتحتاج لعائد قليل لكنه طويل الأجل، فكثير من هذه الشركات الحكومية التي أسست هذه المشاريع تحتاج إلى وقت لعملية التعادل في الإنفاق والأرباح، فتأسست هذه المجموعات للشركات الحكومية لمعالجة ما يصعب على القطاع الخاص تنفيذه والمغامرة فيه.

بدوره قال الدكتور رضا بن مهدي بن جواد اللواتي، رئيس تحرير مجلة "شرق غرب"، إنّ بين الخطاب الأول لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- في 23 يوليو عام 1970 وبين خطاب صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تغيّر العالم الحديث تغيراً جذريا؛ ليس فقط على الصعيد المحلي المباشر بل على الصعيد العالمي الذي نحن جزء لا يتجزأ منه.

وذكر اللواتي أنّ الهدف الأول للسلطان الراحل هو بناء عُمان والاعتراف الدولي بعمان الجديدة، تحت قيادة شابة أراد لها أن تنهض بعد أن عاشت في سبات عميق، أمّا الآن وبعد مرور خمسة عقود نعيش في عصر مختلف كلياً، لم يعرف التاريخ مثيلاً له من التطور التكنولوجي الهائل على مختلف الجوانب الحياتية من صحة وتعليم واقتصاد واتصالات وغيرها.

وأكّد اللواتي أنّ المرتكز الأساسي لأي اقتصاد هو دوام الحركة ولا مجال للسكون في عالم تتبدل فيها المعطيات كل يوم بل وفي كل ساعة، مشددًا على أنّ إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتحديث المنظومة الكلية من أهم البنود التي تطرق إليها جلالته- أعزه الله- لأنّه الأساس الذي يمكن من خلاله بناء دولة عصرية تستطيع أن تواكب تلك المتغيرات الكثيرة.

وأوضح أنّ الهيكل الجديد ينبغي أن يتضمن في داخله بناءً مرنا يستطيع أن يستفيد من المتغيرات العالمية، وأن يكون قادرًا على امتصاص الأزمات العالمية خاصة الاقتصادية منها، وأن يحولها إلى فرص للبناء عليها والاستفادة منها.

وأشار اللواتي إلى أنّ هذه المرونة في الهيكل الإداري تتطلب طاقات فاعلة وعناصر إدارية تستطيع أن تواكب أحدث النظريات والتطبيقات العلمية؛ مع الأخذ في الاعتبار التعقيدات الاقتصادية والتغيرات المتسارعة في أنظمة استخدام الطاقة المستجدة وغيرها من الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها اقتصادنا.

 واختتم اللواتي بالقول إنّ الإدارة والعلم؛ هما سلاحا الفترة القادمة والقصور في أحدهما سيخل بالمعادلة ومعالجة القضية بعد فوات الأوان يدخلنا في نفس المعضلة التي وقعنا فيها وهي الاعتماد الكلي على مدخلات النفط والغاز، وتفادياً للقصور في تطبيق الاستراتيجية السلطانية ينبغي وضع معايير أساسية للتقييم الدوري على أن تناقش بكل شفافية ووضوح في مجلس الشورى. وبهذا سيتم التزاوج بين الجانب التشريعي والجانب التنفيذي في إطار مؤسسات الدولة وإشراك المواطن في صنع القرار.

تعليق عبر الفيس بوك