ترجمة- رنا عبدالحكيم
قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن المتظاهرين في لبنان لم يتمكنوا حتى الآن من صياغة استراتيجية متماسكة طويلة الأجل للتغيير، معتبرة أن ذلك ناجم من أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء تطوير استراتيجية حقيقية.
وأوضحت المجلة في تقرير حديث لها أنه لا شك في أن حركة الاحتجاج نجحت في التعبير عن شعور واسع النطاق بالإحباط مع نظام فشل بشكل روتيني في توفير الوظائف والرعاية الصحية الميسورة التكلفة والتعليم.
وبينت المجلة أن ساحة الشهداء في بيروت باتت مركز الاحتجاجات المستمرة منذ 4 أشهر، وقد دعا الآلاف من المتظاهرين المحتشدين إلى عزل النخبة السياسية الحاكمة، وإجراء انتخابات مبكرة، ووضع حد لنظام تقاسم السلطة الطائفي الذي أضفى الفساد على الطابع المؤسسي في البلاد. والآن، أصبحت التجمعات الاحتجاجية أصغر عن ذي قبل، وباتت هتافات "الثورة" أكثر ليونة. لكن الاعتقالات استمرت، بينما يرى بعض المحتجين أن السبب الحقيقي وراء انخفاض أعدادهم هو التعب المقترن بإحساس متزايد باليأس بشأن مستقبل الحركة الاحتجاجية بشكل عام.
وفي يناير، أي بعد ثلاثة أشهر تقريبًا من استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، تولت حكومة جديدة تلبي مطالب معظم المحتجين بتشكيل حكومة تكنوقراط، لكن ذلك وضع المحتجين في موقف حرج؛ حيث حصلوا على حكومتهم الجديدة، وشعر البعض أنه يتعين عليهم كبح جماحهم وإتاحة الفرصة للحكومة. لكن معظم المحتجين يتفقون على أن الحكومة الجديدة ليست أكثر من مجرد "حكومة ظل" تمثل المصالح الراسخة لجماعة حزب الله وحلفائها، وكلاهما اتخذا موقفًا ضد المتظاهرين.
وحتى الآن، اتسمت الاحتجاجات بعدم التنظيم وافتقرت إلى أي رعاية سياسية ذات مغزى، باستثناء غضب شعبي عارم. وعلى الرغم من أن هذا النمط من السياسة أعطى الحركة الاحتجاجية في البداية درجة معينة من المصداقية، إلا أنه لم يفضِ إلى النهوض بخطة ورؤية سياسية واضحة المعالم.
وعندما يبدأ الوضع الجديد في الاستقرار، سيحتاج المتظاهرون إلى تطوير إستراتيجية سياسية منظمة لإسقاط النخبة الحاكمة عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات. لكن إحدى العقبات الرئيسية التي يواجهونها تتمثل في إيجاد طريقة للتغلب على الدوافع الطائفية الافتراضية للناخبين. وبخلاف ذلك، يمكن أن تنقسم الحركة الاحتجاجية نفسها على أسس طائفية، مما يعرضها لخطر أن تتغلب عليها النخبة الحاكمة التي تتمتع بخبرة سياسية أكبر بكثير من المحتجين.
وقد يتشارك المتظاهرون في نفس الأهداف العامة، لكن مطالبهم المحددة غالباً ما تكون غير قابلة للتوافق فيما بينهم. ويطالب البعض بتقليص القطاع العام المترهل، لكن البعض الآخر يرفض كل أشكال التقشف أو ترشيد النفقات. والشكل النهائي للنظام السياسي الجديد ينطوي في جوهره على الصراع. وينادي فريق من المتظاهرين بديمقراطية تمثيلية غير طائفية، لكن بينما البعض الآخر يقترح حلاً أكثر راديكالية، من خلال التخلص من أي شكل من أشكال التسلسل الهرمي مع التأسيس لديمقراطية مباشرة يتم بموجبها التصويت على جميع التدابير السياسية عبر الاستفتاء.
وتقول المجلة في تقريرها إن هذه التناقضات يجب على المتظاهرين حلها قبل أن يحلموا بالتغيير. وعلى الرغم من أن غياب قيادة حقيقية ساعد في تعزيز جاذبية الحركة في بادئ الأمر، لكن إذا استمرت الاحتجاجات دون توجيه شخص واحد (أو مجموعة من الأشخاص) فإنها تخاطر بفقدان زخمها؛ إذ إن الحركة السياسية الناجحة تتطلب في النهاية وجود قائد حقيقي يوجه المسار السياسي، ويفرض أجندته، ويتخذ إجراءات حاسمة.
وتؤكد المجلة أن الحركة الاحتجاجية في لبنان تحتاج إلى توضيح مجموعة متفق عليها من الأهداف من أجل المساعدة في حل التناقضات الأيديولوجية بين وجهات نظر أعضائها، والمتباينة على نطاق واسع، مع التركيز على مجموعة من الأهداف المحددة.
كما يستلزم الحركة الاتفاق على استراتيجية طويلة الأجل، ويجب أن تقرر ما إذا كانت ستواصل احتجاجاتها في الشوارع، أم ستسعى إلى التغيير من خلال الانتخابات، أم ستتخذ إجراءً أكثر تطرفًا.
وكل هذه التغييرات ستقود بالضرورة بعض المتظاهرين إلى الشعور بالإحباط والتخلي عن الاحتجاج، وبالتالي سيتعين على القيادة الافتراضية اتباع مسار العمل الذي يمكن أن يقلل من تلك الخسائر ويقاومها.
وحتى الآن، نجحت الاحتجاجات بشكل كبير في لفت الانتباه الوطني والدولي إلى المشاكل العميقة للنظام الحاكم في لبنان. لكن المتظاهرين يريدون المزيد بعيدا عن لفت الانتباه، إذ يريدون التأكد من إصلاح النظام وليس فقط إسقاطه.