يمرُّ "الأربعين".. ويبقى قابوس

أنيسة الهوتية

من أقواله -طيب الله ثراه: "إننا نعيش عصر العلم، ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينًا بأنَّ العلم والعمل الجاد هما معًا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر، وبناء نهضةٍ قويةٍ ومزدهرةٍ، على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية".

وسأقتطفُ من تلك الباقة هذه الوردة: "على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية"، وأقول بفخر: نعم.. هذا هو المنهج القابوسي لتلقِّي العلم بالانضباط الديني وعدم الانسلاخ من تعاليم ديننا الحنيف، وعدم الانحراف عن مبادئ الإسلام الراسخة في حياة المسلمين؛ ففي كلِّ خطاب ألقاه كانتْ هناك جملة إيمانية ثابتة تستشعر المستمع بأنَّ هذا الرجل لا يريد لأبنائه إلا الأفضل من كل أفضل؛ فهو يُريدهم أن يرتادوا التعليم العالي ويتطوَّروا علميًّا مع المحافظة على الدين الذي هو الأساس المتين في ارتكاز قوة الشخصية، وعدم التأثر بمختلف الزملاء المتعلمين من مختلف الدول والحضارات الذين سيسلكون معنا ذات الطريق لطلب العلم، وأنه علينا أن نأخذ من كل شيءٍ الطيِّب ونترك الخبيث.

ومن أقواله: "توخَّينا أثناء مسيرتنا المقدسة بالبلاد أن تكون برامج أعمالنا نابعة من صميم واقعنا، ومنفتحة على حضارة هذا العالم الذي نكون جزءًا لا يتجزأ منه"، ليس قابوس بن سعيد من ربَّى أبناءه العمانيين على الإنسلاخ من العادات والتقاليد والتقليد الأعمى للانفتاح العام في الدول المتقدمة، بل على الافتخار بكيان عُمان الأصيل، وجعله نُصب أعين العالم متميزاً متفرداً، ويبقى التراث العماني وتبقى الأصالة العمانية ثابتة وهي تنظر إلى عين العالم في مسيرتها التي تواكب العولمة والحداثة التكنولوجية... وغيرها.

ومن أقواله: "إنَّ الحكومة، والشعب كالجسد الواحد؛ إذا اختلَّ عضو فيه اختلَّ الجسد كله. لذلك أدعوكم إلى العمل معًا لمستقبل بلدنا. وبعون الله سوف ننجح". ونتوسَّم هنا قابوس الإنسان، الذي لم يتكبر ويتجبر ويتمرد بقوته التي رزقه الله إياها كحاكم، بل نزل إلى شعبه بتواضع طالبا منهم العمل معا يدا بيد لأجل الوطن.

ومن أقواله: "يا أبناء وطني، الدرب شاق وطويل؛ ولكن بالجهد، والمثابرة سوف نصل إلى هدفنا بأسرع وقت وبإذن الله"، الطاقة الإيجابية تنبع من هذه الجملة وشفافية الطرح دون مجاملة مع الإصرار للوصول إلى الهدف، وإن كان الدرب شاقا وطويلاً.

وهُنا جَوهرة إيمانية تنبُع من قلب مؤمن -طيب الله ثراه: "إنه لم يكن ليتحقق لنا ما تحقق لولا ما يسبغه الله علينا من عون، وما نستمده من قدرته -جلَّ وعلا- من قوة تدفعنا لمواصلة درب الإيمان بالله وبتعاليم رسوله الكريم والتمسك بما جاء في كتاب الله، عاقدين العزم على النهوض بأعبائنا تجاه هذا الوطن كلٌّ في نطاق مسؤوليته".

وأخيراً.. القوة والإصرار: "إننا نواصل مسيرتنا ونتطور مع الزمن بكافة نواحي الحياة"؛ نصفُ قَرنٍ من العطاء المستمر كالسيل المنهمر من السماء على قلوبنا التي أزهرت لك ألوان الحب الجميل الذي لا يزال يتنفس ذكراك.. ستبقى في قلوبنا ما حيينا، والحزن على فراقك لن يُرفَع وإن رُفِع الحِداد.

يمرُّ "الأربعين"، ويبقى قابوس تاريخاً لا يُنسى، ولن يرفع الحزن مع رفع الحداد، ولن تتكفل الأيام بغسله من قلوبنا، فقط هي الإنجازات والأقوال القابوسية التي تشفع لهذا الحزن وترسم الابتسامة على وجهه، فإنه حقاً قد وعد وأنجز.

ونشهد يا أبي أنك لم تكل ولم تمل وقد بلغت الأمانة بأمانة.

ونسأل كلَّ عمانيٍّ وفيٍّ أن يبقى على عهد الوفاء القابوسي للوطن والقائد، وعلينا أن نكمل البناء باتباع خارطة الفلسفة القابوسية؛ لأنها بصمة نهضة عُمان.