أبوابنا المغلقة!

 

 

يوسف عوض العازمي

"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" (الشمس: 7-8).

الشخصية البشرية هي عالم كامل متكامل، مزيج من المجاميع البدنية الصحية النفسية الأخلاقية، تتكئ على مبادئ مبتدأة، بابتداءٍ يبتدئُ ببدايات عمرية مُرتجلة الطباع ومُتصنعته، ومتعلمة مبادئ تستقيها من البيئة الحاضرة، هناك من يقول بالفطرة الإنسانية، والحقيقة أنه لا فطرة إلا البكاء والضحك، والرضا والزعل، والفرح والحزن، وقد يكون اللقاء والفراق من نتائج الفطرة، وهنا أقصُد باللقاء أول يوم حياة، والفراق لفظ الأنفاس الأخيرة، أي أني أحدثك عن الانفعالات والتفاعلات مع أو ضد، عدا ذلك ليس فطرة إنما أشياء توهب، فهناك من ولد وهو الأمير الفلاني، وهناك من ولد وهو التاجر الغني الفلاني، وهناك من ولد وهو البائس وسط فقر مُدقع، وهناك أيضا "من ولد وهو في ملجأ للأيتام"!

لا شكَّ أن الجينات لها تأثيرها الأكيد على حياة الإنسان، وهي المقصود بها بالفطرة (حسب وجهة نظري المتواضعة)، أما غير ذلك فمن الصعب توجيهه ونشرت صحيفة ديلي تليجراف البريطانية مرة موضوعا حول تأثير الجينات، ومما ذكر فيه: "لقد اكتشف العلماء أنَّ مدى قوة العوامل البيئية في تحديد كل خاصية، مقارنة بتأثير الحمض النووي، يختلف بدرجة كبيرة من مكان إلى آخر"!

لكل إنسان مفاتيح لشخصيته، كذلك توجد الأبواب المغلقة، ذات المفاتيح المعلقة أعلى الباب، ولا يستطيعها إلا طويل الحظ، لكن لا يمكن لأي شخص الدخول إلى باب مغلق لشخص آخر، وإن أصبح المفتاح في يده، لأنَّ الخصوصية هي ما يحدد استخدام المفتاح من عدمه!

هُناك أخلاقيات معينة قبل الدخول للأبواب المغلقة؛ إذ هناك أبواب مغلقة وإن شرعت أمامك، لكنها ليست مشرعة بالتأكيد الحقيقي، إنما فتحت لغرض ما، وهدف ما، وربما لأجل ما!

لا تُرهق نفسك بالطَّرق على هذه الأبواب أكثر من مرة؛ فالباب الذي لا يفتح سيتبين ضمنا "إن لن يفتح، وإن فتح، باب، لكنه على مضض، فللباب مؤثرات تتحكم في تفتحاته، هناك الباب ذو الطول العالي والصناعة العالية الكفاءة، تجد مفصلاته ممهورة بعناية، والقفل من نوعية فاخرة لا يمكن الحصول عليها من أي مكان، وكذلك الترابط التام بالصناعة، ما بين نوعية وسماكة وإتقان؛ لذلك تجد قيمته غالية، لرمزيته العالية، وثمنه الغالي، الذي لا يستطيع شراءه أي شخص!

لكل منا باب عالٍ، وكل باب له مفتاح، وهناك أبواب تُفتح بلا مفاتيح مشرعة للجميع، إنما وبنفس الوقت تجدها فجأة تغلق، حتى إنَّ أي مفتاح مهما بلغت كفاءته وعلا ثمنه لا يستطيع فتحه، وهنا سنجد أنفسنا أمام باب لا يفتحه إلا مفتاح خاص متخصص يخص خواص الباب ويشرع أمامه وبحفاوة!

لا تتعب نفسك في التسوُّق لشراء مفاتيح للأبواب، ليس كل باب له ثمن سعري، بل بعض الأبواب لا يُمكن فتحها مهما دفعت من ثمن؛ لأنَّ غلاء ثمنها عيني وليس نقديًّا، معنوي وليس ماديًّا، قد تجد فقيرا "لا ينفع شراؤه بأغلى الأثمان"، وغنيا "يُشترَى بمال بخس".. إنَّها الروح الغنية التي لا يقدر لها ثمن ولا وزن إلا المشاعر الطبيعية الطيبة؛ فأحيانا "بابتسامة عفوية تشتري الشخص المقابل، وهو الذي لا تشتريه ديباجة الكلمات الإنشائية الكاذبة".

أتذكَّر أنَّني سمعت مرة مَثلا عاميًّا بسيطا في نطقه ولفظه، عظيما في معانيه: "الكلام اللين يغلب الحق البين"!

هل فهمت ما يصبو إليه المثل، هل تمعنَّت بعمق المعنى؟

هذا يكفيني!!