عبد الله العليان
تستعد بلادنا في هذا العام 2020، لتطبيق الرؤية المستقبلية "عمان 2040"، بما وضعته من خطط ومتابعة ومراجعة للخطط المقسمة، بما يتم تطبيقه ونجاحه، بحسب ما وضعته في الخطة من برامج، والتي بلا شك ننظر لها نظرة مختلفة، عن الخطة التي توارت، أو توشك على الافتراق وهي "رؤية 2020"، والتي لم تحقق الأهداف التي قيل عنها بالدرجة المأمولة، من حيث الكلام النظري والعبارات الإنشائية الجميلة، دون تطبيق فاعل لما جاء فيها من تنظيرات، وأسهمت في نتائجها السلبية، في توترات عام 2011.
ولا شك أنّ الفساد من أكبر الإعاقات، التي تفسد وتدمر مسارات التنمية، وتقطع أوصالها، وتجعلها، أداة لممارسات ومصالح فردية وفئوية، ومنافع شخصية، وبذلك تهدم الخطط والإصلاحات، وتقوض مناخ الاستثمار الجاد والهام لصالح التنمية الحقة، إلى جانب أنّها تحقق الاستقرار والسلام الاجتماعي، الذي بلا شك، الطريق الصحيح لإبعاد المشكلات الناتجة عن هذا الغول الخبيث، التي يتلوّن ويتحرك ويتلاعب بالكلمات والمصطلحات، بطريقة غامضة ومبهمة، قد لا يعرفها لا تدرك بواطنها غير الظاهرة، فقد يتحدث ويذرف الدموع، وهو يتكلم عن النزهة والتنمية الصحيحة، والطريق الجاد، لما هو أجدى وأنفع لما تتطلبه بلادنا ومجتمعاتنا من تنمية، وهذه كلها دموع التماسيح الجشعة النهمة لأكل الفريسة وتقطيع أوصالها!
ولذلك لا بد من مواجهة وتنقية بذور الفساد بكل طرقه واستهدافاته الميعقة لعجلة مسارات الخطة الاستراتيجية لمصالح وفئات، سواء لمصلحة شخصية أو محسوبية، فهي بلا شك ستكون آثارها سلبية، دون ربما عدم الالتفات عليها، لأنّها تمارس بطرق خفية ودقيقة وربما بمسوغات قانونية ظاهرياً.
صحيح أنّ ظاهرة الفساد ظاهرة عالمية في دول العالم، لكن هناك تفاوت في ممارسات الفساد، بين دولة وأخرى، فالكثير من المؤسسات الدولية انتبهت لهذه الظاهرة، عندما توغلت في الكثير من دول العالم، وسنّت قوانين واتفاقيات لتجريم هذه الممارسات، لاسيما ظهوره بشكل فاقع وبارز في البلاد العربية، ومن هنا تكمن الأهمية القصوى لوقف هذا النزيف من الفساد، ومن ممارساته، فهو يضعضع مؤسسات الدولة، ويقوض مصالح المواطنين، وتنجم عنه الكثير من المشكلات والتوترات، إن لم تتم محاصرته، وتنظيف المؤسسات منه، فلا يمكن أن تتحرك البرامج والخطط في انسيابية كاملة، في ظل نشاط وخروقات الفساد وتلاعباته.
وقد أشرت في بعض المقالات السابقة، إلى المساوئ الخطيرة للفساد وآثاره الوخيمة على استقرار الدولة وحركتها في البناء والنهوض، وقلت في هذا الأمر: إنّ الآثار المدمرة والخطيرة للفساد، ليست قضية أخلاقية من حيث الآثار وخلخلة القيم المستقرة فقط، فآثاره الخطيرة، وتكلفته المدمرة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، كبيرة جداً ومؤثرة بطرق قد لا تكون بارزة ومكشوفة، لكن ارتباكاته لا تخفى على المتابع الحصيف، ومنها كما يعرف في قياسات الفساد ومؤشراته أن تأثيره يؤدي إلى زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة، ويتراجع المستوى العام للإنفاق على السلع والخدمات العامة، ويزيد من التكاليف الإضافية الناجمة عن ممارسة الفساد- وفق تقرير البنك الدولي- منذ عدة سنوات، ومن هنا يستوجب بشكل جاد وقوي، تقويض ومحاصرة الفساد وضربه بالقانون الذي لا هوادة فيه ولا مجاملة، ولا يجب أن يكون أحد فوق القانون مهما كان موقعه، حتى يمكن القضاء على هذا الوباء الخطير، إلى جانب توسيع ممارسة الرقابة الصارمة، والمحاسبة والمساءلة، لكل من يمارس الفساد، ومن يسهل له، ومن يحابيه، مع استمرار الإصلاح الإداري والمالي المتجدد، لأنّ بعض الثغرات الموجودة في اللوائح مرتع واضح للكثير من ممارسات الوباء.
وقد أشرت في مقالة سابقة إلى ما كتبته مؤسسة الشفافية الدولية منذ عدة سنوات، عن مساوئ ومخاطر الفساد، واستغلال السلطة والنفوذ، فقالت: "إنّ إساءة استخدام السلطة، والتعاملات السرية، والرشوة، هي مشكلات مستمرة في تخريب المجتمعات في شتى أنحاء العالم، وأنّ جميع الدول ما زالت تواجه تهديد الفساد على جميع المستويات الحكومية، من إصدار التراخيص المحلية وحتى إنفاذ القوانين واللوائح"، مشيرة في فقرة أخرى من التصريح بالقول "إنّ الفساد في القطاع العام ما زال من بين أكبر التحديات العالمية، ويجب أن تكون المؤسسات العمومية أكثر انفتاحاً فيما يخص عملها وأنشطتها وأن يكون المسؤولون أكثر شفافية في صناعة القرار، ويمكن أن تساعد آليات إتاحة الحصول على المعلومات القوية وتوفر قواعد حاكمة لسلوك شاغلي المناصب العامة في تحسين درجات الدول، في حين أنّ نقص المساءلة في القطاع العام مقترناً بعدم فعالية المؤسسات العامة يؤثر سلباً على مدركات الفساد هذه".
قضية الفساد أخطر وأسوأ إعاقات خطط وبرامج التنمية في أي مجتمع من المجتمعات، وأشد خطراً في هذا الأمر، التهاون عن مواجهته، وبتره واستئصاله، فمصلحة الوطن واستقراره وأمنه وتقدمه، فوق كل المصالح الذاتية الضيقة.