المعتصم البوسعيدي
كثيرةٌ هي المعاني التي يُمكن إطلاقها على الشغف؛ حيث الحُب والطاقة والرغبة والبحث عن ما يثيرُ مشاعِرنا ويدفعنا إلى العملِ بكُلِ جدٍ واجتهاد، وبالتالي فمن يمتلك الشغف يمتلك القُدرة على التغيير ولا يحتاج إلى التحفيزِ بقدرِ حاجتهِ إلى الدعمِ والمساندة. ومن يُمعنِ النظر في حالِ رياضتنا يرى أنها تفتقدُ إلى الشغفِ سواءً على مستوى الإدارة أو مُمارسي الرياضة، وعلى الأغلب تتوزع الدوافع ما بين الوظيفة والوجاهة وحب الظهور والشهرة، علاوة على الشغفِ الذي يموت في مهدهِ لأي سببٍ من الأسباب، ولربما البيئة القاتلة للشغف أكبر مسببات ذلك.
الأمريكية المعتزل "كوبي براينت" تمَّ تداول المقطع الذي أعلن به اعتزاله للعبة التي أحبها وكان شغوفاً بها. مقطعٌ آسر يرسخ مفهوم الشغف والطاقة التي دفعت الطفل الحالم وصانع كرة السلة الأولى في حياتهِ من جوارب والده ليكون أحد رموز الرياضة العالمية بشكل عام وكرة السلة الأمريكية بشكل خاص، كما يمكنُ تصويب بوصلة الشغف نحو عمالقة التنس في بطولة أستراليا المفتوحة الجارية أحداثها حتى وقت كتابة هذا المقال، هناك تجد ذا التاسعة والثلاثين ربيعاً السويسري الرائع روجيه فيدرر يمارس شغفه باللعبة ويحطم الأرقام بين ثورة الشباب التي لا تجد لعبوره سبيلا، والأمثلة تتدفق حتى على المستوى العربي والمحلي أيضاً؛ فعلي الحبسي لولا شغفه لما وصل إلى ما وصل إليه، كما يمكن تفسير إنشائه لأكاديميته الكروية لإيمانه بشغفه الكروي ومواصلة تقديم رسالته النبيلة عبر كرة القدم في صورتها النقية المُلهمة.
اليوم.. نحتاج للشغف لإدارة الرياضة؛ بحيث تدفع الطاقات نحو التطوير والابتكار ونقل الهواية إلى احتراف، والتطوع إلى استثمار، والبنية التحتية من صخور صماء إلى حياة جاذبة دافعة إلى الإنجاز، فيما يحتل الأشخاص أماكنهم المناسبة لهم؛ حين نجد المسؤول شغوفاً بعمله لا بوظيفته، ورؤساء الأندية شغوفين بإدارة النادي بعيداً عن الأنانية والانتهازية، مُدركين واجباتهم تجاه جمعيتهم العمومية في محيطها المجتمعي، والجمعية العمومية المحددة لمسار الرياضة العُمانية، كما نجد اللاعب شغوفاً بلعبته يحبها بصدق ويعلم ما له وما عليه، ولا يخضع لقوة الاستهلاك لطاقته بين الهواية والعمل والرغبات الساذجة هنا وهناك.
لقد شهدت عُمان خلال الخمسين عاما نهضة عملاقة قادَ سفينتها المغفور له بإذن الله صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور المعظم، حول فيها الرياضة من قفرٍ وتراب إلى مساحاتٍ خضراء وصالاتٍ مُغطاة ومُجمعاتٍ رياضية، ولم يبخل يوماً على الرياضيين؛ بل كانت يداهُ الكريمتان فيضاً من العطاء الباذخ. سمّى الأعياد بالشباب ونالوا في خطاباتهِ الحظوة السلطانية السامية، حتى أنه أشارَ مُباشرةً للنادي وما يجب عليه، وكان ــــ رحمه الله ــــ شغوفاً بعُمان وأبناءها، لذلك بذلَ روحه ونفسه لتكون ويكونوا في المحلِ المرموق، فحُقَّ علينا اليوم أن نترجم شغفنا الرياضي إلى الحقيقة الهاربة منِّا، ونستزيد بشغفِ الولاء للراحل العظيم؛ حفاظاً على الإرث واستمراراً عليه تحت لواء من أوصاه بنا وأوصانا به حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـــ حفظه الله ورعاه ـــ والذي من مُبشرات توليه معرفته الدقيقة لرياضتنا وخباياها؛ فقد تولى رئاسة الاتحاد العُماني لكرة القدم في عهدٍ مضى، وأشرف على أحد أكبر البطولات الرياضية المُقامة على سلطنة الخير والسلام، "ووحده الشغف، الشغف بالأمور العظيمة، يستطيع أن يسمو بالروح إلى مقامات عالية جدا".