فيروس كورونا المستجد .. بين الأوهام والحقيقة

د. سيف بن مبارك بني عرابة

 

إنَّ الخيال البشري عادة ما يجد فسحة واسعة في مُحيط المجهول من الأشياء والغامض من الأحداث، فما إن تنشأ حادثة جديدة، أو تكتشف ظاهرة غامضة إلا وترى الناس تجتهد في تفسيرها كل حسب مشربه، فمنهم من يظن أنها عقوبة مسلطة، ومنهم من يُفسرها بالمؤامرة، وآخرون يردونها إلى أصلها العلمي وغير ذلك من التفاسير التي قد تصادف واقعاً يعززها، وقد توافق عقيدة وإيمانًا يقويها، إلا أنَّ الخبير بالأمور، والناظر لما بين يديه نظرة تفحص وتأمل ليدرك أن الحقيقة قد تكون بعيدة المنال خصوصاً وأن بعض الظواهر والحوادث تحتاج لوقت طويل حتى تفسر، ولجهد كبير حتى تحل عقدها.
وما يأتي به الناس من عجائب عند انتشار الأمراض والأوبئة يعتبر مثالاً جليًا على ما سبق، وحتى نسقط ما ذكرناه سابقاً على الواقع، فلا نجد أقرب من انتشار فيروس كورونا شاهدا على ما نقول. فرغم انتشار العلم وسهولة الحصول على المعلومة إلا أنَّ النظريات البعيدة والتفاسير العجيبة كانت حاضرة بل ومتصدرة لمشهد الحديث عن خطورة الفيروس وماهيته.
من المنظور العلمي فإنَّ فيروس كورونا كغيره من أنواع الفيروسات من الصعب معرفة مصدره إلا أن الحيوانات في العادة هي الحاضن الأول له، وبما أن الفيروسات تمتلك القدرة على التحور فإنَّ الأنواع المستجدة منها - فيروس كورونا المستجد على سبيل المثال- قد تتسبب في أمراض يصعب علاجها بسبب غموض الصيغة الجينية للفيروس والتي تكون هي هدف الأدوية الفعَّالة، هذا التأخر في اكتشاف العلاج المُناسب وسرعة انتشار المرض عاملان رئيسان في تعزيز النظريات الوهمية حول هذا المرض، كما حدث سابقا مع أنفلونزا الطيور والخنازير وأنفلونزا H1N1 وغيرها.
إنَّ فيروس كورونا المستجد (nCorV) قد يسبب نزلات البرد الشائعة وقد يؤدي إلى متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد تمتد إلى الفشل الكلوي أو حتى الوفاة، ولأن هذا الفيروس مستجد وقد اكتشفت أوَّل إصابة بشرية به في نهاية 2019 فحتى هذه اللحظة لا يوجد له أي مصل أو لقاح. لذا فإنَّ الوقاية هي السبيل الأنجع لتجنب مضاعفاته، حيث يمكن الوقاية من الإصابة بالفيروس بتجنب الاتصال المباشر والقريب مع الأشخاص المصابين أو المحتمل إصابتهم بالفيروس، خصوصا القادمين من المناطق التي انتشر فيها الفيروس وتظهر عليهم أعراض المرض كالزكام وعلامات الالتهاب التنفسي. كما أن استخدام باطن الكوع والمناديل عند العطس أو السعال، وغسل اليدين واستخدام المعقم، والتأكد من طبخ المنتجات الحيوانية جيدا قبل أكلها، كل ذلك من أسباب الوقاية من الإصابة بهذا الفيروس. وعلاج المصاب بالفيروس يتفاوت حسب حدة الإصابة، فمن المرضى من يحتاج للإكثار من تناول السوائل واستعمال خافض الحرارة، ومنهم من يستدعي علاجه أكثر من ذلك لدرجة إدخاله للعناية المركزة.
إنَّ تفسير كل ظاهرة مجهولة أو حدث جديد بأساطير وخزعبلات لا أساس علمي لها، وعدم الرجوع إلى المختصين لهو من علامات تأخر الأمة عن ركب التقدم، فإذا كنّا نمتلك من العلماء والإمكانيات البشرية والعلمية والبحثية ما يؤهلنا لاستخلاص الحقائق والبحث في مسببات الظواهر العلمية وعلاماتها وطرق الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة لتخلصنا من كل هذه النظريات والأوهام، فالأمة التي لا تصنع سلاحها ولا تبتكر دواءها ولا تطور أجهزتها بيد أبنائها وفي أراضيها تبقى عالة على غيرها وعليها أن تقبل بما يملى عليها حتى تنهض وتستيقظ من سباتها وتُواكب ركب الحضارة فعند ذلك يحق لأبنائها عرض أفكارهم وفرض أرائهم بناءً على أدلة علمية راسخة وليس محض شطحات فكرية وأوهام نفسية.

تعليق عبر الفيس بوك