عُمان والمستقبل..

د.سليمان المحذوري

رحل فقيد الوطن السلطان قابوس طيّب الله ثراه، وغفر له وأدخله فسيح جناته، وترك عُمان دولة عصريّة ذات بنية أساسية صلبة، ومؤسسات حديثة يشهد لها القاصي قبل الداني. ومهما كتبنا في حق هذا الرجل فإننا بكل تأكيد لم ولن نوفيه حقه فلا نملك إلا الدعاء له بظهر الغيب، ونقول اللهم أجزه عن عُمان وأهلها خير الجزاء.

ومنذ عام 1970 عندما استلم السلطان قابوس زمام الحكم في عُمان الكل يعلم كيف كانت وأين أصبحت عام 2020 وفي كافة المجالات بلا استثناء. ولعلّ جيل ما قبل 70 يُدرك جيدًا وضع عُمان والعُمانيين كونّهم شهدوا على العصرين؛ عُمان قبل قابوس وعُمان في حكمه وعهده كمقارنة منصفة وعادلة. آباؤنا وأمهاتنا لا يزالون يحتفظون بتلك الصور المحفورة في ذاكرتهم كشاهد عيان، تحكي مرحلة تاريخية مهمة تُضاف إلى سلسلة الحلقات المشرّفة من تاريخ عُمان المجيد. أمّا نحن جيل السبعينيات والثمانينيات فقد ترعرنا ونحن نشاهد عُمان تكبر معنا يومًا بعد يوم، ونرى جه عُمان يتغير من حسن إلى أحسن. ويكفينا فخرًا ونحن نشهد تحقق رؤية السلطان قابوس التي أعلنها في خطابه الأول "كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي".

 ولعلّ أبرز الملفات التي اهتم بها السلطان الراحل -رحمة الله عليه- منذ توليه زمام الحكم ملف التعليم؛ إدراكًا منه بأهمية ذلك في بناء قاعدة متينة لعُمان يُمكن الاتكاء عليها في بناء كل أركانها، وكان له ما أراد. شخصيًا ما زالت ذاكرتي تحتفظ بكثير من الذكريات عن بدايات النهضة العُمانية؛ فما زلت أتذكر "مدرسة القرية" مدرستي التي درست فيها المرحلة الابتدائية والثانوية؛ ورغم أنّ المدرسة كانت مبنية من سعف النخيل إلا أنّها أدّت دورها على أكمل وجه؛ إذ كانت هذه المدارس بداية لنشر التعليم في كافة ربوع عُمان في السهل والجبل، في الوديان والصحاري، فكلما أتذكرها أتذكر قول السلطان الراحل "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة". وما زلت أتذكر كذلك الطرق الترابية الوعرة التي نسير عليها، وأتذكر بداية حياتنا بلا كهرباء، وكم وكم من الذكريات التي لا زالت عالقة في الذاكرة والتي لا يُمكن نسيانها؛ كلها تشهد على مراحل بناء عُمان الحديثة طوبة طوبة حتى أضحت إلى ما هي عليه الآن من تقدم وتطور وفي شتى المجالات.

وبوفاة السلطان قابوس طُويت صفحة مشرّفة من تاريخ عُمان المعاصر، وبتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في عُمان ستبدأ مرحلة أخرى مشرقة من عمر عُمان. ورغم أنّ الأمور قد تبدو في ظاهرها سهلة كون أنّ عُمان باتت دولة حديثة متكاملة البناء؛ بيد أنّ التحديات جسام لا سيّما الملف الاقتصادي الذي يحتاج إلى عناية خاصة حتى نتجاوز عقباته بسهولة ويسر، ولعلّ إشراف صاحب الجلالة المباشرعلى رؤية عُمان 2040م يعطي مؤشرًا إيجابيًا في العناية بهذا الملف المهم في المرحلة القادمة لعُمان التي نريد. كما أنّ التطورات السياسية إقليميًا وعالميًا بحد ذاتها لا زالت ملفات مفتوحة في الوقت الراهن، وتشكّل تحديات لا يُمكن إغفالها. ومع ذلك فإننا على يقين تام وثقة كبيرة بأنّ السلطان هيثم بن طارق هو الشخصية المُناسبة لهذه المرحلة، وأنّ عُمان وبتوفيق من الله، وبجهود المخلصين من أبنائها ماضية في مسيرتها التنمويّة، وأداء رسالتها الحضاريّة، وكلنا جنود أوفياء مخلصين خلف جلالته كالبنيان المرصوص لنواصل معًا دفع عجلة التقدم والازدهار لهذا الوطن العزيز لتظل راية عُمان دائمًا وأبدًا شامخة خفّاقة بين الأمم.