"قابوس ما مات.. وأنتوا موجودين"

يوسف عوض العازمي

 

"مُتعتي هى أن أرى بلدي وأرى شعبي بالصورة التي تخيلتها من أول يوم تسلمت فيه السلطة" - قابوس بن سعيد

 

تُوفِّي السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور سلطان عمان -طيب الله ثراه وغفر له وتجاوز عنه وأسكنه فسيح جناته- هذا قضاء الله وقدره، وكما قال سبحانه: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن:26).

وكان مما لفت الأنظار هو الانتقال السلس والهادئ للسلطة، وكانت بصمات الراحل الكبير بارزة في كل سطر من سطور الانتقال المرن، كان الهدوء والسلاسة والحنكة في طريقة توصيل إدارة الحكم، كان التاريخ العماني يكتب هذه اللحظات بأحرف من ذهب، تبين عراقة واتزان البيت الحاكم بهذا البلد العربي العزيز.

ففي العام 1996م، شكل السلطان قابوس مجلس الدفاع الأعلى، ووضع نظام الحكم الذي يحدِّد آليات نقل السلطة بعد وفاته؛ حيث كانت الطريقة الفريدة هي أن الأسرة الحاكمة تجتمع لمدة ثلاثة أيام بعد وفاة السلطان لاختيار خليفته، فإن لم تستطع الوصول إلى قرار باسم السلطان الجديد، تتم دعوة مجلس الدفاع الأعلى للانعقاد وفتح وصية السلطان قابوس، وهي ورقة تحفظ في مكانين في العاصمة مسقط، وفي مدينة صلالة، ويجب أن تكونا الورقتان متطابقتين، وبعد فتح الوصية يتبين بوضوح المرشح السلطاني، ورغم أن هذه الوصية غير ملزِمَة، إلا أن الأسرة المالكة الكريمة التزمت بما فيها، وتمت مبايعة جلالة السلطان هيثم بن طارق سلطانا لعمان، وسارت واكتملت مراسم التنصيب بسلاسة تامة.

هناك شخصيات يتوقف عندها التاريخ، وتتمحور حولها الأحداث، وتشكل ناصية انتقال بين تاريخ سابق وتاريخ مقبل، ولها التأثير حتى على تشكيل كلمات وصف الزمان، ومنها في العصر المعاصر السلطان قابوس بن سعيد، هذا القائد الذي آمن ببلاده وبقدرة شعبه على التغيير وتبديل مراحل الضياع إلى مراحل الطريق الصحيح نحو الأمن والاستقرار.

عاصر وواجه الراحل الكبير الكثير من الأزمات الدولية بدءًا من الحرب الباردة والتحولات الإقليمية عام 1979م كالغزو السوفييتي لأفغانستان، وقيام الثورة الإيرانية، واتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية في كامب ديفيد، وبعد ذلك اتفق مع قادة دول الخليج العربية لتأسيس مجلس التعاون، الذي كان ولا يزال مجمعا عربيا نادر الاستمرار.

تميزت سياسة الفقيد الكبير بالابتعاد عن سياسة المحاور والاستقطابات الإقليمية والدولية، ونأَى ببلده عن الخلافات الدولية، فبينما كانت بعض دول المنطقة القريبة تعيش الهواجس والنزاعات والحروب، كانت السلطنة تعيش باستقرار وهدوء بحكمة السلطان الذي حفظ بلاده وأبعدها عن سياقات التشرذم والخلاف.

وكمواطن كويتي، أحتفظ للسلطان قابوس وللشعب العماني الوقفة الأخوية الصادقة مع الحق الكويتي إبان الغزو العراقي الغاشم لبلدنا الكويت؛ حيث قدمت السلطنة كل شيء من أجل عودة الكويت على كافة السبل، إلى أن توجت هذه الوقفة الجليلة المباركة بإرسال قوات عسكرية عمانية للمشاركة في حرب تحرير الكويت، كذلك كان في السلطنة مواطنون كويتيون تم التعامل معهم كعمانيين وتمت استضافتهم كأهل دار وليسوا لاجئين، وهذا ما حصل بالضبط، ولا يزال الكويتيون يتذكرون هذه الوقفات بمزيد من الفخر والاعتزاز والمحبة الخالصة.

أتقدَّم بخالص التعزية للشعب العماني الشقيق، ولجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور في الفقيد الكبير الذي أحبه الجميع، خاصة في الكويت التي كانت كلمات أميرها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح -حفظه الله ورعاه- مُعبِّرة بصدق؛ إذ قال إنه  "تقاسم معه الأعباء والمسؤوليات"؛ مما يدل على عمق العلاقة بين القيادتين.. سدد الله خطاهما لما فيه من خير للبلدين.

 

* من كلمة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، خلال تقديم واجب العزاء في وفاة السلطان قابوس - طيب الله ثراه.