سارة بنت علي البريكية
اعتادت العرب قديمًا في أنحاء متفرقة من مواقعهم وإقامتهم على أن تكون جماعات متقاربة مترابطة متعاونة متحابة، تجمع بينهم الألفة والمحبة ووشائج القربى وصلة الأرحام والتداخل الإنساني والنسيج الاجتماعي المشترك، إضافة إلى العادات والتقاليد والصفات الإنسانية المتشابهة، والصلات الاجتماعية الواحدة ومختلف الأعراق، وكان العرب خير الناس فكرًا وعملاً وهدى، وأهل كرم ونخوة وشهامة وحضارة وعراقة وتاريخ، شرفوا بحمل الدين الإسلامي ليكون لهم هداية ومنهجاً ورسالة، وليكون منهم بين الأجناس دعاة له وأهل فكر وصلاح وعطاء إنساني بحت، خصوصًا مع التماثل الكبير بينهم في الانتماء والنسب والتمازج والتفاعل.
ونتيجة لعمق التجانس بينهم، نشأت لهم دول وطوائف وملل وأحزاب وقبائل وشعوب، وكانوا كل بحسب ثقافته ومعرفته، تسود بينهم عرى المحبة والألفة والأخوة الصادقة التي تميزوا بها في تداخل رائع بينهم، أدى إلى حدوث مصاهرة وحالات تزاوج كثيرة، ولقد امتدت العلاقات الجميلة بينهم والتي كانت تشكل مجتمعات مُترابطة متجانسة، لسنين طويلة وقرون ساحقة، طرأ عليها وعلى حياتهم العامة تغييرات كثيرة أخذت تتنامى بشكل تدريجي شهد تطوراً ملحوظاً شمل مختلف المجالات.
لا شك أنَّه مع هذه الصورة الطبيعية والنمطية والحياة الاجتماعية العربية السائدة آنذاك بكل ما فيها من حسنات والتي أخذت تكبر وتتسع وتأخذ أنماط عيش مختلفة وأوضاعاً حياتية متعددة كانوا عليها، لم تكن بعض من تلك العقول كما هي، ولم يكن جزءًا من تلك الأفعال في الدارج العام والسوي مقبول البتة، فحتى وهم في ما كانوا عليه كان بينهم الجيِّد وغير ذلك، والسيئ وغير ذلك، وهذه سنة الله في خلقه.
لقد صارت الحياة الدنيا مثلما أراد لها رب العزة والجلال، ومضت عقارب الساعة واحدة تلو أخرى، وانطوت الأيام والسنوات تترى، لنجد أنفسنا من المحيط إلى الخليج شعب واحد، أبناء دول خليجية عربية حبانا الله بنعم كثيرة، نعم وجدنا أنفسنا اليوم بأننا أبناء دول مجلس التعاون، بيننا أخوان لنا من أقطار عربية شتى وغيرهم، ساهموا معنا ولا يزالون، في بناء أوطاننا وعزتها ورفعتها.
إنَّ دول الخليج العربية الستة وهي تجتمع في منظومة مجلس التعاون الخليجي، وجدت لتكون كيانا واحدا، وأسرة واحدة تعمل لما فيه مصلحة أبنائها، ومنذ إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981 والمجلس ينعقد في مواقيته المعروفة يبحث كل ما من شأنه تعزيز الترابط وتعميق وتوثيق الصلات وأوجه التعاون، بما يعود بالنفع على دولنا وشعوبها.
إنه بالنظر إلى ما وصلنا إليه اليوم، فإننا نقول الحمدلله على صمودنا ووحدتنا، فكل من السلطنة والدول الأشقاء الإمارات والسعودية وقطر والبحرين والكويت لا زلنا أهلاً وجيرانا وإخوة، ولن يفرقنا حاقد ولا حاسد ولا غاشم، فقادتنا في كل هذه الدول يدركون تماماً أهمية تلاحمنا وترابطنا، خاصة في هذه المرحلة الحاسمة والمهمة، وأود أن أقول هنا كما قيل "تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا تفرقن تكسرت آحادا"
إنَّ شعوب دول مجلس التعاون يعيشون اليوم وغدا وبعد غد إخوة متحابين أكثر من قبل، وذلك نتيجة لارتباطهم ببعض واحترامهم وتقديرهم لبعض، فكما يعلم الجميع أنه تربطنا منذ القدم علاقات قوية، ومصالح مشتركة، فخليجنا واحد ومصيرنا واحد، وأهدافنا الإنسانية بإذن الله واحدة، وهي ألا تخرج عن سياق العمل من أجلنا كشعوب هذه الدول.
لقد عبرنا منذ أن تكونا في مجلس التعاون وقبل ذلك، إلى الغايات والطموحات التي وضعت من أجل تطوير الأوطان، فاليوم بحمدالله نجد دول المجلس بها من الخيرات الكثير، وبها من الثروات ما يجعلها قوة اقتصادية كبيرة.
ومع مطلع هذا العام لاشك أننا نتوق إلى مزيد من التلاحم والتآخي والتعاون والتعاضد والتسامح والتسامي ونسيان الماضي بما حمل، والعمل من أجل مستقبل أكثر تماسكا وأخوة، وفتح صفحة جديدة لنكون صفاً واحداً من أجل الخير وإلى الخير، وحفظ الله قادتنا قادة دول المجلس من كل سوء وشر ومكروه، ونحن أهل وإخوة وسنظل وسنبقى وسندوم هكذا، متطلعين إلى غد أكثر إشراقا وجمالا وحبا وتآخيا، وإلى خليج ووطن عربي أكثر حبا وتسامحا وتجانسا ووحدة.