مسرحية ترامب

أنيسة الهوتية

مجلس النواب الأمريكي يحاكم ترامب، وهو ثالث رئيس أمريكي تتم محاكمته بعد بيل كلينتون عام 1998م وأندرو جونسون عام 1868م.. والشارع العربي مُزدحم بهذا الخبر الذي يستشف منه الأغلب فرحة انتقام مُضمَرة في خوالجهم؛ لاقتناعهم بأن "ماما أمريكا" هي التي تزيد الطين العربي بلة، وتدلل أبنائها "الصهاينة" وتحميهم رغم اعتدائهم الجائر على المسلمين فعليًّا في فلسطين، ولفظيًّا في تاريخهم المحرف وكتبهم وكل ما يتداولونه بينهم. وأكرر مرة أخرى كلمة "الصهاينة" لأُشير إلى الكيان الصهيوني الذي يتمثل في السياسة العدوانية الظاهرة والمؤامرات الباطنة ضد الدول الإسلامية والعربية، و"الديانة اليهودية" بكتبها ولغتها العبرانية براءٌ منها.

وللأسف ردة الفعل العربية تأتي كالعادة بالحكم على ظاهر الأمور، كقارئ يحكم على الكتاب من غلافه وليس المضمون، هذا دون التمعُّن فيما هو أشد، والذي يتمثل في الرسائل التي تأتي بين السطور، وإن كانت قصة جميلة من قصص ألف ليلة وليلة، إلا أنها تحمل في طياتها وخفاياها ما هو أهول مما يُكتب لنا.. إنها رُموز سرية تختص بدستور السياسة الأمريكية التي لا يؤثر فيها انتخاب، تغيير، تبديل أو عزل رئيس من آخر!

وكذلك إنْ بقي ترامب أو عُزِل فلن يتغير لِباس الحال السياسي للدول العربية والإسلامية، والتي حاكتها الولايات المتحدة من خامات دستورها وزينتها برموزها السرية وقدمتها هدية لهم، وهم بدورهم أخذوه عن رضا وألبسوه بابتسامة صفراء على وجوههم بحجة ترابط العلاقات السياسية والسلامة من وحش وهمي تم خلقه خصيصَا لهم، وفي الأصل هو ليس إلا بضاعة تجارية استطاع مروُّجوها إنجاح بيعها بثمن باهظ جدا.

وما نستدل به من تاريخها بعد أن أنهت تلك الدولة "المصلحجية" حروبها الداخلية ووقفت ثابتة على أقدامها، أصبح هدفها الأساسي من العالم هي كل بقرة حلوب والدجاج الذي يبيض ذهباً وليس الأمن الذي تطبل به لأنها بنفسها تسببت بخلق انعدام الأمان، خاصة في الدول العربية والإسلامية كنوع من الاحتفال التجاري لبيع ألعابها الحربية مع تمثيل دور القوة الحامية، وتحرير سجنائها المحكومين عليهم بالإعدام والذين سيكلفونها الكثير لإطعامهم إلى يوم الحُكم؛ فألبسوهم ثياب الجنود ليجاهدوا لإبقاء حياتهم بوحشية، وبذلك تم ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد.

وإذا حاكم مجلس النواب "ترامب"، فإنهم يحاكموه لأجل مصلحة تخصُّ دستور وسياسة أمريكا، وليس لأجل مصلحة الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، ولا الأمة العربية والإسلامية، ولا لحل مشاكل الروهنجا، وفلسطين وأزمة الخليج وإيران...وغيرها، ولا لأجل قضية قتل الأطفال والذين نطقت باسم أرواحهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، حين قالت إنَّ الرئيس جبان حين يتعلق الأمر بقتل الأطفال! والحقيقة أن كل الرؤساء مع مجلس نوابهم وممثلي الأمم المتحدة جبناء في ذلك، وإلا لكانوا سيتدخلون مع سقوط روح أول طفل شهيد في فلسطين لمنع الاعتداء الصهيوني، والحروب الأهلية، والأحزاب السياسية، وداعش والتي كلها نبتت من بذورهم!

وإنْ كان مجلس النواب الأمريكي مؤمنا حق الإيمان بمسيحيته وبإنجيل عيسى -عليه السلام- لكان سيثير الأمم المتحدة من خلال رئيسهم لمحاكمة الكيان الصهيوني على جرائمه ضد الأطفال؛ كونهم أقوى دولة في العالم، إلا أنهم لا يستخدمون قوتهم إلا لمصلحتهم، كما فعلوا حين أتوا بعدادهم وعدتهم إلى العراق لصيد ومحاكمة صدام حسين.