زهرتان للوطن والسلطان على مفرق عام جديد

مسعود الحمداني

عمان أيها الوطن الشامخ، المغروس في تربة الروح، العظيم، العظيم، الباذخ، الباذخ، العالي كنجمٍ لم يُولد بعد، البعيد عن أيدي العابثين، القريب من الأنقياء، كنت ولا تزال شجرة يانعة خضراء، تُظلل الأحبة، وتكسو الأرض بياسمين العشق.. أنت الكبير الذي لا يُرام، والقويُّ الذي لا يُضام، المتشبِّث بتاريخٍ يغوص في أعماق الزمان، يغبطك عليه من لا يملكه، تروي عصافير العشق من مائك، وتسافر كملاكٍ في ملكوت المجرات.. مسالمٌ كروحٍ شفيفة، ومتحفزٌ كنصلٍ ماضٍ في خاصرةِ المشككين، والمتربصين، تحمل سهام المها، ونيوب الليوث.. أنت الوطن الذي يضم في حضنه كل الأوفياء، ترفض المساومة والخنوع، لأنك وُلِدت مُحلِّقا في السماء كطائر الرخ الذي لا يموت.

وطني العظيم.. عشت قويًّا، وستمضي قويًّا؛ لأنَّ الحياة أشرس مما يعتقدها البعض، ستتكسَّر على قِلاعك كل المحاولات البائسة للنيل منك، وستتحطم على حصونك كل المكائد التي تحاك ضدك في الخفاء؛ لأنك محميٌّ بالله، ومن ورائك شعبٌ لا يرضى إلا أن يعيش عزيزا على أرضك الطاهرة، فأنت من يمنح العاشقين عشقهم، وأنت من يعطي الأشياء خضرتها، وأنت من يكسو الحالمين ريش الحرية.. وأنت من يُعطي القناديلَ ألوانها، وللضياء حمائمه البيضاء.. لأنك وُلدت لتبقى.

وعلى رأس هذا الوطن يجلس قائدٌ عظيم، وسلطانٌ حكيم، يقف على قمة العطاء، قائد بذل وما ادخر جهدا، وأعطى وما استبقى شيئا، وعمل ليل نهار كي يسعد غيره، ويروي عطش من أرهقته السنون، وأذاب الجليد كي يخرج من بطون الأرض العشب، وقاد سفن الخير، ومواخر الكرم إلى الأرض التي باركها الله، وطاف البلاد حين كانت البلاد قطعة من حجر وصحراء، وحين كانت المنازل سعف نخيل، حتى إذا ما اتقّدت مصابيح النور، وازدهرت شموس النعمة، وصارت عمان قطعة من لؤلؤٍ نضيد، بدأ القائد في جني ثمار ما زرعته يداه، وحصاد ما بذرته يمينه.. فسلمت تلك اليمين التي أثمر الخير من بين أناملها، وسالت الأنهار من بين عروقها.

سنواتٌ تلو سنوات.. وهذه الأرض تَيْنَع، وتخضَّر بساتينها، وتسمُو مراتبها، والسلطان -حفظه الله ورعاه- يسقيها من غرس يديه، ويرويها من ينابيع عطائه، مباركا من رب السماء، محاطا بالأوفياء، وسائرا نحو اليقين، متلبِّسا ثوب الإيمان بـ"أن الغد أجمل"، وأن الخير ينساب كنهرٍ أينما حل، وارتحل، وكلما أنجز أمرا، نظر إلى ما بعده، وكلما أثمر زرعا، نظر إلى ما يليه، حتى غدت المنجزات جزءا من الحاضر والمستقبل، وغدت الصحراء حقلا من الجمال، وصارت الشجيرات فراشاتٍ من حرير تواصل التحليق ليل نهار كي تنثر السعادة في ربوع هذا الوطن العزيز.

عامٌ على وشك الرحيل، يُلملم أشلاءه، وآخر على بوابة الأمل، وعمان تنظر إلى المستقبل بعين واثقة الخطى، وترنو إلى الغد بقلبٍ يحمل في خفقاته الحلم الجميل، يكثر أعداؤها الفاشلون، وتصغُر في عينيها العظائم، وهي تقف شامخة عزيزة عالية كنجمٍ لا يأفل، وشمسٍ لا تنكسف، وروحٍ واحدة، وقلب رجل واحد، ترسل حمامات سلامها إلى السماء، وتعلن للعالم أن البقاء دوما للأفضل، حتى وإن تغطت السماء -إلى حين- بالرماد، إلا أن الشمس تظل شارقة، ويبقى الحلم مُعلَّقا على شجيرات الورد، لكي يظل مضمَّخا بالعشق والبهاء والولاء لهذا الوطن العظيم، وقائده الذي أسرج دروب المستقبل، وعلى إثره شعبه ماضون.. وكل عام والوطن وقائده وشعبه محفوظين بعين الله ورعايته.