القضايا العربية بعد فوز نتنياهو في انتخابات الليكود

عبيدلي العبيدلي

لم تكُن نتائج الانتخابات التمهيدية لزعامة حزب الليكود اليميني مُفاجئة، وقد جاءت تلك النتائج لتعبر عن فوز ساحق كرسه رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بفوزه "بنحو 71.5 في المئة من الأصوات، مقابل غريمه جدعون ساعر الذي كان ينافسه على زعامة الحزب وحقق 28.5 في المئة من الأصوات".

واستهلَّ نتنياهو نشاطه بعد الفوز بتغريدة على تويتر؛ أكد فيها أن ما أسفرت عنه تلك الانتخابات هو بمثابة "انتصار كبير.. شكرا لأعضاء الليكود على ثقتهم ودعمهم وحبهم، (مضيفا)، بمساعدة الله ومساعدتكم، سأقود الليكود إلى فوز كبير في الانتخابات المقبلة وسأستمر في قيادة دولة إسرائيل لتحقيق إنجازات غير مسبوقة".

وكان نتنياهو مُصرًّا على تحقيق مثل هذه النسبة، فهو كما تقول مراسلة بي.بي.سي في القدس باربرا بليت أشر، "قاد حملة بلا هوادة بالرغم من توقع فوزه؛ لأنه يريد فوزا ساحقا حتى لا يبدو وضعه في حزبه ضعيفا".

وقد جاء ذلك الفوز على حساب جدعون ساعر، الذي يمتلك شعبية لا يستهان بها في صفوف الليكود، وهو "الليكودي الوحيد الذي دعا نتنياهو إلى فتح الباب أمام انتخاب زعيم جديد للحزب"، إذ لا بد أن يحظى مثل ذلك الإجراء بموافقة رئيس الحزب، بموجب اللوائح الداخلية.

ولا يختلف ساعر عن منافسه نتنياهو عندما يتعلق الأمر بالموقف من القضايا العربية الكبرى على طاولة حكومة الكيان الصهيوني؛ فهو من أبدى "معارضته الشديدة للانسحاب الإسرائيلي من جانب واحد من غزة عام 2005. كما يعارض فكرة إقامة دولة فلسطينية".

في اختصار، وبفضل فوز نتنياهو في انتخابات الليكود، على الطرف العربي في الصراع، وعلى وجه التحديد الجناح الفلسطيني منه، أن يهيئ نفسه لمواجهة لاحتمال كبير أن يتكرر المشهد في انتخابات الكيان الصهيوني القادمة، التي ستقام في مارس المقبل؛ حيث ينجح الليكود في الوصول إلى سدة رئاسة الوزراء بزعامة نتنياهو.

إن كان هناك من مدلول عام يعبر عن تلك النتائج، فهو أن الكيان الصهيوني، في هذه المرحلة، يقف في وجه أي تغيير سياسي، مهما كان طفيفا. فهو لا يريد أن يأتي بحكومة جديدة، تجد نفسها مطالبة بإعادة النظر في التحولات التي عرفتها سابقاتها، وعلى وجه التحديد من القضايا العربية الكبرى في الصراع الفلسطيني- الصهيوني. وفي مقدمة تلك القضايا مصير "القدس"، بعد أن أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موافقة واشنطن على أن تكون العاصمة للكيان الصهيوني، وأقدم على خطوات نقل سفارة بلاده إليها.

وعلى نحو مواز، وفي مارس 2019، "وقّع ترامب، في البيت الأبيض، بحضور نتنياهو، مرسوما اعترف بمقتضاه بـ"سيادة" تل أبيب على الهضبة السورية، في خطوة فجرت استنكارا دوليا واسعا".

مقابل ذلك، واعترافا بذلك الجميل "أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مستوطنة جديدة في مرتفعات الجولان المحتلة تحمل اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب". ثم مضى إلى ما هو أسوأ من ذلك حين وعد نتنياهو، في رسالة بالفيديو مخاطبا الرأي العام العالمي أنه "سوف نأتي بالاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية في وادي الأردن -ونولي اهتمامًا- في جميع المستوطنات -تلك الموجودة في الكتل وتلك التي لم تفعل ذلك". هذه هي الخطوة التالية. إنه في أيدينا. وأنا فقط سأحضر هذا، (متعهدا) بضم وادي الأردن إذا فاز في الانتخابات، عندما فشل في تشكيل حكومة للمرة الثانية على التوالي".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقبل أقل من شهر، أعلن رئيس نتنياهو "أن حكومته ستقر تقديم دعم مالي بقيمة 40 مليون شيكل (11.5 مليون دولار) لأنظمة الأمن والإنقاذ في مستوطنات الضفة الغربية. وقال نتنياهو حينها، إنه "سيتم تحويل 34.5 مليون شيكل (10 ملايين دولار) لمرة واحدة كموازنة أمنية إضافية، (مسترسلا) كما سيتم تحويل مبلغ 5.5 مليون شيكل (1.5 مليون دولار تقريبا) لصالح محطات الإنقاذ والإسعاف في مستوطنات الضفة الغربية".

وتأسيسًا على ذلك، وانطلاقا من قناعة نتنياهو، وبحكم التوازنات القائمة في المعسكر السياسي الصهيوني، يضاف إلى ذلك أوضاع عرب 1948، التي لم تنجح بعد، وبشكل حاسم في توحيد صفوفها، على الرغم من التحديات التي تواجه الأحزاب العربية في المناطق. من غير المتوقع أن يتزحزح نتنياهو، خاصة فيما لو نجح في انتخابات مارس المقبل، عن مواقفه الإستراتيجية من قضايا العرب الكبرى، وفي المقدمة منها، قضايا المستوطنات، وقضايا حل الدولتين، وفي القلب منها مصير القدس الشريف. نخلص إلى ذلك رغم ما جاء على لسان النائب العربي في الكنيست عن القائمة المشتركة أحمد الطيبي قبل أيام، مؤكدا على "أن القائمة لن توصي أحداً بتشكيل الحكومة القادمة مجاناً، مؤكدا أنه لن تكون هناك توصية من دون ثمن ملائم، (مؤكدا أنه في ظل الظروف القائمة) بإمكان القائمة المشتركة أن تحقق هدفين وعدت بتحقيقهما أثناء حملتها الانتخابية، وهما تحقيق إنجازات للمجتمع العربي وإسقاط نتنياهو، معتبرا أن الهدف الثاني له بعد سياسي".

من المتوقع أن تسير سياسة الليكود القائمة على طريق الموقف من قضايا العرب الكبرى على النحو التالي:

- بناء تحالفات مع قوى أقصى اليمين الصهيوني، بما فيه الأحزاب الدينية الغاية في التطرف من القضايا العربية، بما يمكن نتنياهو من تثبيت أقدام الليكود التي هزتها بعنف فضائح نتنياهو، التي تبدأ بالفساد المالي، ولا تتوقف عند الانحلال الأخلاقي.

- استخدام ورقة القدس "عاصمة للكيان الصهيوني"، كمكسب حققه الليكود، تحت زعامة نتنياهو من أجل تحقيق المكاسب الداخلية، بما فيها تجميد قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو، كي يعيد الليكود ترتيب منزله من الداخل، استعدادا للانتخابات القادمة في مارس المقبل.

- أخذ أقصى ما يمكن أخذه من الإدارة الأمريكية، قبل أن تدخل واشنطن نفق أوضاعها الداخلية، بسبب اقتراب موعد انتخابات الرئاسة القادمة، وأوضاع الجمهوريين التي تعاني من تراكمات حكم الرئيس ترامب السلبية، التي بحاجة إلى جهود مضاعفة. وربما يقود ذلك إلى تحالفات أقوى بين الجمهوريين واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. ولعل فيما قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معتبرا فوزه "مؤشر جيد للسلام"، الكثير مما يمكن أن يقرأ في هذا الاتجاه.