الرؤية تُلهم الجميع في عُمان

علي بن سالم كفيتان

في مثل هذا اليوم نحتفل مع جريدة الرؤية بمرور عقد على إصدارها الأول. ولا شك أنّ المتتبع للحركة الإعلامية في السلطنة وفي منطقة الخليج سيرى ظاهرة إعلامية فريدة، ولدت في 24 ديسمبر 2009، وحققت حضوراً لافتاً في الساحة العُمانية بتبنيها وجها جديدا للإعلام؛ وهو إعلام المبادرات الوطنية، فلم تعد الرؤية هي تلك القصاصات الورقية التي توضع على أرفف المحلات وأكشاك محطات الوقود ولا مكانا للبحث عن تغطيات المناسبات الرسمية ولا موقعاً للإعلان عن الأحكام القضائية والفرص الوظيفية؛ فمن يخطط لهذه المؤسسة الإعلامية الفتية يعلم تمام العلم أنّ ذلك بات من مخلفات الماضي وأنّ الرسالة الجديدة وفق نهج الإعلام الرقمي لا يمكن أن تأخذ هذا المنحى، ولذلك شكلت الرؤية ظاهرة متوهجة فهي أشرقت عندما غاب الآخرون ولم يستطيعوا مجاراة التطورات.

فقد سمحت الرؤية بمساحة جيدة للتعبير عن الرأي والرأي الآخر المنضبط؛ ولذلك نجدها اليوم تشكل الملاذ لكثير من رواد الفكر في السلطنة وخارجها، فأوجدت بذلك حواراً هادفاً تعمه المصلحة الوطنية بعيداً عن التهويل والإثارة والبحث عن العثرات، والأمر ذاته عند التطرّق لقضايا إقليمية ودولية حيث نجد نهج السلطنة صاحب الحياد الإيجابي يفوح من بين جنبات الرؤية، ولذلك ورغم تراجع الصحافة الورقية نجد أنّ الرؤية تتجه في خط تصاعدي لأنّها وضعت استراتيجية بعيدة المدى، تكفلت بالتحول الرقمي لمحتواها؛ بحيث أصبحت علامة تجارية فارقة في عالم الإعلام العُماني والخليجي المتجدد.

تبنت الرؤية الكثير من المبدعين والمبتكرين خلال العشر سنوات الماضية، وخاضت غمار المجهول لتبني مبادرات اقتصادية واجتماعية وبيئية وعلمية من واقع المسؤولية الاجتماعية الإعلامية، فالبعض ينظر لهذه المسؤولية من منظور أحادي وهو دعم القطاع الخاص فقط؛ لكن الرؤية أخذت على عاتقها مسؤولية اجتماعية ذات صبغة إعلامية حديثة، فحركت المياه الراكدة عبر هذه المبادرات، فلا عجب أن نرى جائزة الرؤية في شتى المجالات في عُمان اليوم، فالإعلام هو ركن من أركان الدول، وشكّل مع المال ثنائية استطاعت قلب جميع المفاهيم القديمة التي لم تكن تؤمن بالطاقة الكامنة في الإعلام لتوجيه المجتمعات والترويج للسياسات العامة.

ومن هنا لعبت الرؤية دوراً مثاليا، واستطاعت الحفاظ على حياديّتها، وكسب ثقة المجتمع في مختلف ربوع السلطنة؛ بل نجد أنّ نخبة من خيرة الكتاب وأصحاب الفكر في منطقة الخليج والوطن العربي يتربعون على صفحاتها ليخاطبوا العالم عبر المنبر العُماني المنضبط والمسؤول، بعد أن انقلبت الكثير من وسائل الاعلام الصحفية إلى أدوات بيد الحكومات لتلميع صورتها والتطبيل لمواقفها.

كتجربة شخصية مرّت عليها حوالي خمس سنوات مع الرؤية فأنا لا أتمتع بعلاقة شخصية مع رئيس تحرير ولا مع أجهزتها، وتكاد معرفتنا ببعض تنحصر في الجانب الصحفي فحسب، وهذا في حد ذاته ظاهرة ليست شائعة في وسائل الإعلام الصحفية وخاصةً في منطقتنا، ومع أنني اتمتع بعمود ثابت كل أسبوع طوال خمس سنوات لم أجد أي تحديات أو حتى صعوبات في تمرير أفكاري وكتاباتي؛ فظلت الرؤية هي تلك الواحة التي أرنو إليها كل أسبوع، وأراقب بكل اعتزاز ردة فعل الرأي العام حول كتاباتي من واقع رقمي انتهجته الجريدة، فتحصل على مؤشرات حيّة لتجاوب المجتمع كل يوم من خلال نافذة الكتابات الأكثر قراءة يومياً وأسبوعياً، وأحمد الله أنني استطعت أن أستلهم من تلك المؤشرات محبة الناس واحتياجاتهم. كما يشرفني كثيراً تجاوب الجهات المعنية واتصالات أصحاب المعالي الوزراء وأصحاب السعادة وغيرهم ممن نكتب عن جهاتهم بكل حيادية بعيدا عن التشهير وتصيد الأخطاء.

وفي الختام لا أستطيع الاحتفال مع الرؤية بهذه المناسبة من غير تقديم شكري، وعظيم امتناني لهذه المؤسسة الرائدة ورئيس تحريرها المكرم حاتم الطائي وجميع العاملين بها؛ فمن خلال مقالاتي التي كانت تصدر على متنها ألفت كتابي الأول (ظفار الإلهام الأبدي) فقد منحتني الرؤية المنبر، ودفعتني لخوض عالم التأليف. وهذا الأمر حصل لكتاب آخرين؛ وهذا ما يجعلنا نقول اليوم بأنّ الرؤية تلهم الجميع في عُمان.