بين السطور

مدرين المكتومية

في العام 2010، عندما وطأت قدماي العاصمة مسقط، وكنت حينها لا أتجاوز 21 عاما، حاملة شهادة الدبلوم، كان جل أملي أن أجد نفسي ضمن فريق وطاقم جريدة "الرؤية"، لم أكن حينها أرى العالم إلا من خلف نافذة صغيرة، لكني وجدت نفسي بين ليلة وضحاها في وسط مدينة كبيرة عنوانها الجد والاجتهاد في العمل.. العمل لا شيء آخر.

كُنت الأكبر بين إخوتي، يقع عليَّ مسؤوليات كبيرة، وأيضا أحلام عريضة لأبوين عاشا طوال حياتهما يسعيان لتحقيق الكثير، لكنَّ القَدَر لم يحقق لهما كل ما يريدان، وكان علي أن أواصل تحقيق الحلم لأبلغ منتهى ما يريدان مني الوصول إليه.

قطعتُ على نفسي وعدًا منذ تلك اللحظة أن أكون الابن والابنه لأسرتي، أن أكون قادرة على أن أقدم لهما كل ما يحلمان به، وأن أكون أيضا الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه والثقة فيه، ولأنني أؤمن بنفسي، فأنا لا أُهزَم أبدا، وأمضي نحو أحلامي لأحققها واحدًا تلو الآخر.

كنت آنذاك وحيدة، لا أعرف كيف ستتلاقفني الأيام والأقدار حينها، سوى أنني في كل ليلة أضع فيها رأسي على وسادتي، أشكر الله على نعمة أنني بخير، وأن اليوم قد انتهى أيضا على خير، لا يعلم الشخص الذي يعيش تحت سقف في منزل أسرته ما يعيشه شخص تحت سقف بعيدٍ عن كل أحد لا يجمعه إلا بغرباء ولا يعرف عنهم سوى الاسم الأول، وهم لا يعرفون عنه إلا آخر الاسم.. شخص يستيقظ كل صباح على آمال كثيرة، نام وهو يحلم بها، لكنه لا ييأس.

عندما بدأت العمل، تعلمت الكثير من زملائي الذين التقيتهم أول مرة، كنت أجد في كل شخص منهم شيئًا مختلفًا وشيئًا ما اكتسبه وأتعلمه، فكل واحد منهم لديه انتماءاته وأفكاره وطريقة حياة تختلف عن الآخر، لكنهم كانوا بمثابة المواد المدرسية التي أتعلمها في مدرسة "الرؤية"، كُنت أحاول جاهدة أن أكون بينهم وأسير على نفس الدرب الذي يسيرون فيه، ولله الحمد استطعت في مدة وجيزة أن أجد الحب والتقدير منهم، وأيضا أن أكسب ثقة المكرم حاتم الطائي رئيس التحرير، الذي لم يتعامل معنا يومًا على أننا موظفون، بقدر ما كان لنا الأب والاخ الكبير الذي يوجهنا ويعلمنا كيف نصل لتحقيق الأهداف التي نريد ونتمنى.

مرت الأيام سريعًا، وتغيرت الفتاة البسيطة التي كُنت عليها، وأصبحت فتاة قوية لا تتنازل أبدًا عمَّا تريد الوصول إليه، أكملتُ دراستي للبكالوريوس وأنا على رأس وظيفتي، وها أنا اليوم وبعد أشهر بسيطة أيضا سأنهي دراستي للماجستير، فكلُّ الأحلام التي علقتها يومًا وكنت أراها بعين المستحيلات، ها هي تتحقق واحدة تلو الأخرى.

وأنا اليوم، وفي عامي الـ30، أجدني افضل بكثير مما عاشه ويعيشه الكثير من أبناء عمري، وربما تجازت الكثيرين أيضا منهم؛ فقد واصلت دراستي واستطعت السفر للكثير من دول العالم التي يراها البعض حلمًا عابرًا لن يصلوا إليه.

لذلك؛ لا أنسى أبدًا أن "الرؤية" كانت المكان الذي صنع مدرين الفتاة البسيطة يومًا، وجعلها امرأة ناضجة قوية تقف شامخة كأحد أبناء هذه المؤسسة الإعلامية التي أنارت الطريق لجيل من الشباب، وصنعت منهم قامات إعلامية يشار إليهم بالبنان، فشكرا لكل زملائي الأعزاء الذين شاركتهم يومًا أفراحهم ووقفت معهم في أحزانهم، وشكرا لكل الذين أيضا وقفوا مع "الرؤية" طوال مسيرتها الإعلامية، مؤمنين بكل ما تقدمه من عطاءات، وشكرا للمكرم حاتم الطائي الذي وقف معنا منذ البداية ولا يزال، ليصنع منا أشخاصًا فاعلين في مجتمعاتنا.