مدرين المكتومية
شهدتْ الأيام الأخيرة الماضية الكثيرَ من اللغط في ملف تخصيص جزء من خدمات نقل الكهرباء، وسط تضارب في التصريحات والمعلومات، على الرغم من علمنا بأنَّ هذا الملف يمثل أحد أهم الملفات الحكومية التي طال النقاش فيها على مدى السنوات الماضية؛ لما لها من تداعيات على المواطن والاقتصاد وغيرها من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة.
وقد تابعنا جميعا نشر خبر تخصيص واستحواذ شركة صينية على 49% من الشركة العمانية لنقل الكهرباء، وللأسف غابت تفاصيل هذا الخبر عن الصحف قبل توقيع الاتفاقية، بينما كانت مجلة غير عمانية هي التي حققت السبق الصحفي ونشرت المعلومات قبل الحدث. لكن الأسوأ من تسريب الخبر إلى وسيلة إعلامية غير عمانية، وهو العمل على بث خبر يفيد بعدم صحة معلومات هذه المجلة، ومن جهة حكومية كان يُفترض أنها تمارس عملها بمهنية واحترافية، وأنَّها الجهة المخول لها توضيح المعلومات للصحفيين ووسائل الإعلام، قبل توقيع الاتفاقية، ومن ثم تهيئة المواطن لمثل هذا الخبر، بدلا من تركه يضرب أخماسا في أسداس. وهذا الأمر يستدعي وقفة جادة أمام عمل بعض المؤسسات الحكومية المنوط بها توضيح الحقائق وإزالة الغموض واللبس لدى وسائل الإعلام والصحفيين، الذين يسعون ليل نهار للحصول على المعلومة الصحيحة وتعريف جمهور القراء بها، لكن ما حدث أن تُرِك الأمر للتخمينات والاجتهادات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
ما فاقم هذه الأزمة الإعلامية أيضا أنه في يوم توقيع اتفاقية التخصيص مع الشركة الصينية، رفض جميع المسؤولين الكشف للصحفيين ووسائل الإعلام العمانية قيمة الصفقة ومبلغ الاستحواذ، باعتبار أنهم غير مخولين بالحديث عنها، أي أنها سرية، بينما لم تمر سويعات قليلة حتى نشرت وكالة أنباء رويترز ووسائل إعلامية أخرى قيمة الصفقة التي وصلت إلى مليار دولار. وبعد يوم كامل تخرُج علينا الشركة العمانية القابضة للكهرباء لتنشر سطرا قصيرا تذكر فيه أن قيمة الصفقة مليار دولار!!
ولأنَّ الشفافية والاحترافية في التعاطي الإعلامي غابتْ عن المشهد؛ فقد كان طبيعيًّا أن تُثار العديد من التساؤلات، ليس فقط في هذه الحالة، لكن في الحالات القادمة، والتي نحتاج فيها إلى تعاون أكثر وشفافية مع الإعلام العماني، على اعتبار أنه أحد الأيدي المساندة لخطط الحكومة، والتي تمثل التواصل المحايد الحقيقي بين الحكومة والمواطن، والذي لا يُمكن أن تغني عنه جهة حكومية، أو وسائل تواصل مجهولة الهوية.
ومؤخرا زاد الحديث عن إمكانية تعيين متحدث رسمي لكل مؤسسة حكومية، وانتظرنا ولم يحدث شيئا، ثم ظهر مركز التواصل الحكومي، لكنه لم يحقق المأمول منه في أن يكون جسرا للتواصل بين الحكومة والمواطن، من خلال الصحفيين ووسائل الإعلام، وأن يتولى مهمة الرد على التساؤلات والاستفسارات بسرعة تواكب متغيرات العصر وتقطع الطريق على شائعات التواصل الاجتماعي التي تنتشر كالنار في الهشيم، لكن ما حدث على أرض الواقع أنَّ مركز التواصل أصبح يعمل بمنطق ردود الأفعال، ولا يعمل وفق خطة إعلامية تقوم على منهجية واضحة تتابع المستجدات وتنشر الحقائق والمعلومات أولا بأول. ويفترض أن يكون لمركز التواصل الحكومي دور في تهيئة الرأي العام لاستقبال الأخبار، بدلا من المسارعة بنفي أخبار أو مشروعات يتبيَّن في وقت لاحق أنها صحيحة، وهو ما يهز ثقة الجمهور فيما يتم نشره من أخبار، ويتحول أي "نفي" بعد ذلك إلى "تأكيد" للخبر!
من هنا، يجب أن تكون هناك بالفعل قناة إعلامية تمارس دورا جوهريا فعالا، أو على أقل تقدير أن تعمل الجهات المعنية على وضع استراتيجية إعلامية وطنية، تحدد ماهية السياسات الإعلامية في جميع المؤسسات، بدلا من سياسة ردود الأفعال. فمن غير المعقول أن يتصل صحفيا بمصدر (وزير أو وكيل وزارة أو مدير عام) ليستفسر حول قضية آنية، فيكون الرد بأن نتواصل مع الدائرة الإعلامية، أو أن المسؤول لا وقت لديه للحديث للإعلام، أو أن المسؤول يرفض التصريح نهائيا لوسائل الإعلام، وكأنه مبدأ يسير عليه!!
إننا في زمن التواصل اللحظي بفضل التقنيات بالغة التطور، ولذا من غير المعقول ولا المقبول أن تتعاطى مؤسسات الدولة مع وسائل الإعلام والرأي العام بهذا الأسلوب من عدم الشفافية الإعلامية، فأيًّا ما كان الخبر سيظهر في نهاية اليوم أو الغد لعموم الناس وعلى مرأى من الجميع، وهذا ما حدث في قضية التخصيص، وربما هذا ما زاد من قلق المواطنين وحديثهم عن زيادة أسعار الكهرباء، فهل نستيقظ ذات يوم لنجد متحدثا إعلاميا لكل مؤسسة قادر على التجاوب السريع مع الصحفيين والتفاعل مع ما يتم نشره في مختلف وسائل الإعلام؟ أتمنى!