عبدالله العليان
عندما تأسس مجلس الشورى بصيغته الجديدة وفق طريقة التصويت والانتخاب، في اختيار الأعضاء، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وحل محل المجلس الاستشاري للدولة الذي تأسس في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، والذي كان يتم بالتعيين من القطاع الحكومي والقطاع الأهلي.
ومن هنا فقد أتت مرحلة أخرى مُختلفة، كما أراد لها جلالته في هذا التدرج بعيداً عن قفز المراحل، بحيث يكون هذا المجلس، أكثر اقتراباً للحكومة ومساعداً لها في مشاريعها المختلفة، خاصة التي تتعلق بالتنمية الاقتصادية، والخدمات التي تقدم من الدول للمواطنين، فيما يتعلق بمُتابعة ما يهم المجتمع وقضاياه واهتماماته، وهذه خطوة رائدة وهامة في مسيرة الشورى، بل وحتى أصبحت هذه الخطوة ـ كما قال جلالة السلطان قابوس -حفظه الله ـ في خطاباته في افتتاح بعض دورات المجلس، من أن مجلس الشورى شريك للحكومة. وقد أشرت إلى هذا النص في مقالات سابقة، حيث حدد جلالته ماذا نُريد من هذا المؤسسة الشوروية وقال بالنص:" إننا ننظر إلى مجلسكم ـ مجلس الشورى ـ كشريك للحكومة في العمل من أجل بناء هذا الوطن، وخدمة مواطنيه ـ مشيراً جلالته في فقرة أخرى من خطابه ـ ومن ثم كان لزاماً أن تتساند جهودنا جميعاً، وأن تتناسق من أجل تحقيق نتائج أفضل وأشمل لخطط التنمية وبرامجها التنفيذية، ترقى بحاجة المجتمع، وترفع من مستوى معيشة أفراده، وتعود في مجملها بالخير على هذا الوطن العزيز". وهذا التوجيه السامي لمسألة الشراكة والتعاون بين الحكومة ومجلس الشورى، ثم الشراكة الأخرى بين مجلس الدولة والشورى، في الدراسة المشتركة لمشروعات القوانين، وإبداء الرأي حولها، تعطي الرأي الثابت بأن الشراكة ليست صورية بل واقعية وضرورية، لإعطاء الرأي الثاقب، فيما يتم إحالته من الحكومة لمجلس عُمان.
وقبل أيام قليلة قرأنا من خلال وكالة الأنباء العمانية، وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، عن خبر توقيع اتفاقية "بين مجموعة نماء القابضة وبين شركة ستيت الصينية، حيث تستثمر هذه الشركة ما نسبته 49% من أسهم الشركة العُمانية لنقل الكهرباء". والحقيقة كنَّا نتوقع بموجب الشراكة، كما جاء في خطاب جلالته، أن يتم إحالة هذا التوجه للتخصيص قبل التوقيع، وهذا أفضل للحكومة في أن يشارك ممثلو المواطنين بمجلس الشورى، في أخذ رأيهم ومشورتهم في هذا القرار المهم، خاصة وأنَّ الكهرباء والنفط يُعدان، من الأمور السيادية، لأهمية دورهما في الوطن والدولة. وليس هذا فحسب، بل إن النظام الأساسي للدولة وتعديلاته، أشار في المادة (58) مكرر (41) بما نصه: "تحال مشروعات الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتزم الحكومة إبرامها أو الانضمام إليها إلى مجلس الشورى، لإبداء مرئياته وعرض ما يتوصل إليه بشأنها على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه مناسباً". وهذا النص يطرح ضرورة مُراجعة الاتفاقيات التي يتم إبرامها من قبل مجلس الشورى، فلماذا يتم تجاهل دور المجلس في الاطلاع على هذا الاتفاق، وإبداء رأيه في نصوص هذا الاتفاق؟ ولا ندري لماذا هذا القرار الذي اتخذ في طي الكتمان! مع أن الشراكة والتعاون، بين مؤسسة الشورى والحكومة، يفيد الدولة والمواطن في فتح جسور التعاون بينهما، ويجعل النقاشات والمداولات في ما يطرح، مسألة في غاية الأهمية، ويتم الأخذ بالإيجابي منها، وترك ما هو غير جدير بالاهتمام، فالمهم في هذا أننا عززنا وأبقينا على هذه الشراكة فاعلة وقائمة بدورها في هذا الجانب المهم، كما جاء في التوجيه السامي من خلال خطاباته التي أشرنا إليها آنفاً، وكذلك التزمنا بما جاء في النظام الأساسي للدولة وتعديلاته، ومن الضروري أن تتحقق مُشاركة المواطن في القرارات وفيما يتم اتخاذه من خلال مجلس الشورى، خاصة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي.
في هذا العصر الذي أصبح متداخلاً ومتشابكاً، ولم تعد القرارات التي تتعلق بمعيشة الناس واحتياجات بعيدة عن المؤسسات الفاعلة، كمؤسسة مجلس عُمان، أو تناقش من خلال وسائل الإعلام، وتتداول الحوارات والنقاشات، في جو عام، وهذا الجو من النقاشات له مصداقية كبيرة عند الجميع، وتخرج أغلب قراراتها صائبة، لأنها تكون قد قتلت حواراً ونقاشاً، وهذا ما كنَّا نتمناه من قضية التخصيص الذي تم دون أن يعرف من قبل ما عدا الحديث عنه في نفس اليوم، وقد قلت في مناسبات سابقة عن هذا الجانب، في مسألة الشراكة، وإعطاء مؤسسة الشورى حقها الاطلاع وإبداء الرأي مع مجلس الدولة، وهذا جاء في نصوص لا بد من الالتزام بها، إن أردنا أم لم نرد، لأن النظام الأساسي، بمثابة دستور حددها في مواده، وتلك قضية مبدئية وضرورية.. ومما قلته " إن هذه الإحالات من المشروعات والقوانين إلى المجلس تسهم في جهود الحكومة في التقييم والمراقبة، وإبداء الملاحظات على الموازنات والمشروعات الحكومية السنوية وغيرها، وهذا لا يُعطل من تحركها في مجال اختصاصاتها، بل إنَّ قيام المجلس ـ مع مجلس الدولة ـ بالمراجعة والمناقشة، ووضع بعض الاقتراحات والملاحظات، على هذه الخطط والبرامج والمشروعات، مع الاستعانة بالمختصين والخبراء المعنيين من الجامعات والمؤسسات ذات الاختصاص". يجعل المشروعات والاتفاقيات، من خلال إبداء الآراء، أكثر إيجابية واحترازاً من الأخطاء والسلبيات، وحتى هذا ـ كما أشرت في فقرة سابقة ـ يفيد الحكومة، من أن ممثلي الشورى، اطلعوا على هذه الاتفاقيات وأبدوا ملاحظاتهم، ويرفع عنها الحرج، لو أنَّ هذه الاتفاقيات، لم تنجح، أو أن بها خللاً في صياغتها القانونية، وهذا ما نود أن يتحقق لمجلس الشورى، ويتم الالتزام بما قرره النظام الأساسي للدولة.