سلطنة عُمان على أجنحة الشعر والقصة والجبال

...
...
...
...
...

هالة البدري | رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون سابقا - كاتبة صحفية وروائية مصرية

 

تخال وأنت تدخل أي مدينة في سلطنة عمان، أنك تتسرب من خلال حلقة محكمة من الجبال حول وادي لو حاولت أن تصنعه بمقاسات دقيقة، ما نجحت. كل مدينة هي هذه الواحة الداخلية التي تظللها جبال عالية تتوالد، ولا تنتهي.

يتجمع الماء من السيول، يمر في الفلج وهو ممر مائي له حواف أسمنتية حجرية يشكل شبكة مياه طبيعية تمر تحت البيوت وتتجمع لتنظم زراعة النخل،ومن تحته الفاكهة وبعض الخضروات. البحر يطوق السلطنة من اتجاهات كثيرة، والمدن البحرية لها جمالها، وسماتها الكوزموبوليتانية التي تنعكس على أهلها الذين تعودوا ملاقاة ألوان مختلفة من البشر، والإتجار معهم.

 

صالون الشاعرة سعيدة خاطر

كنت قد تلقيت دعوة كريمة من صالون الشاعرة والناقدة العمانية الكبيرة سعيدة بنت خاطر الفارسي لأكون ضيف شرف صالونها في دورته المقامة بمدينة بهلاء. حيث اعتادت أن تلتقي مع ضيوفها كل مرة بجمهور ولاية من ولايات السلطنة

تحمست للدعوة فهي الزيارة الأولى لسلطنة عمان وهي باستثناء اليمن البلد العربي الوحيد الذي لم أزره من قبل على الرغم من وجود العديد من الأصدقاء هناك، ومعرفتي ببساطة ولطف الشخصية العمانية، وحبهم للشعر خاصة الكلاسيكي منه، وجمال الطبيعة المعروف.

وقد تزامن موعد الندوة مع احتفال عمان بعيدها القومي التاسع والأربعين، فتزينت البلاد، وانتشرت الاحتفالات في كل مكان حتى خشي البعض أن ينشغل الجمهور بها، فيفقد الصالون جمهوره المعتاد. لكن المفاجأة أن الجمهور المحب للشعر جاء بما يزيد على خمسمائة متفرج حيث الهواء الطلق، والشعراء

أول المفاجآت التي كانت في انتظاري أن صالون سعيدة خاطر هو صالونها الخاص، وكنت أعتقد أن الدولة تقيم صالونًا باسمها. خاصة وأني قد تلقيت الدعوة مع الشاعرة قسمة بنت سالم العمراني من السعودية، والشاعر باسم عبد الحق من العراق، والعديد من الشعراء العمانيين من مختلف مناطق السلطنة بالإضافة لشعراء ولاية بهلاء. أما المفاجأة الثانية فكانت هذا التنظيم الذي يقوم به مجموعة من شباب الكتاب العمانيين لمساعدة د. سعيدة خاطر في التخطيط والتنفيذ لهذا النشاط التطوعي الصرف، الذي يهدفون من خلاله لنشر الأدب والثقافة في ربوع بلادهم، وقد علمت أن معظمهم من تلاميذها في الجامعة.

أعجبتني الفكرة، التي يتعرفون من خلالها أيضًا على بلادهم بصورة أعمق، ويختلطون بالجمهور ويختبرون بأنفسهم تأثير انتاجهم عليه. ويكرمون أحد شعراء المنطقة وكانت المكرمة في هذه الندوة هي الشاعرة خديجة بنت علي وقد خصص الصالون دراسة نقدية عنها. وعلمت أن مكتبة الندوة العامة المقام بها الاحتفال هي أيضًا مكتبة خاصة أسسها مجموعة من المثقفين ويرأس مجلسها المفكر والمؤرخ العماني خميس العدوي ولها نشاطها الثقافي المستمر . وشعرت أني أعيش دعوة من دعوات الثقافة الجماهيرية في ربوع ونجوع مصر، إذ يبدو أن هوى أبناء الأقاليم بعيدًا عن العاصمة واحد، فقد قابلنا أهل مدينة "بهلا" بترحاب شديد ليس في الندوة وحدها، ولكن في صحبتنا إلى قلعتها، وحصن جبرين الذي بناه بلعرب بن سلطان اليعربي عام 1680 م عندما نقل عاصمة الدولة من مدينة نزوى إلى مدينة جبرين وهو مدفون به. شد انتباهي في كل مدينة أثرية أبوابها ذات الطراز الخاص ولكل باب قصة، وقد علمت أن خشب الصاج المصنوعة منه يستورد من الهند

المفاجأة الثالثة أن مدينة بهلاء مشهورة بأساطيرها وهي كلمة مخففة عن حكايات الجن والعفاريت والسحر أيضًا، فلما سألت إن كانوا قد جمعوها ، أخبروني أن باحثة قد جمعتها وستصدر قريبًا بالفعل

وقد لاحظت أن الثقافة العمانية بصفة عامة هي ثقافة إسلامية وسطية. تعتنق المذهب الأباضي الذي وضعه الإمام أبو الشعثاء جابر ابن زيد الأزدي(18- 93 هـ) الذي ترك موسوعته القيمة ديوان جابر ويعتبر أول من جمع الحديث في ديوان. أثرت الثقافة العمانية العربية الإسلامية في المنطقة المحيطة بها خاصة الدول الإفريقية التي دخلتها السفن العمانية في تنزانيا ومدغشقر وجنوب الصومال وجزر القمر، ونورديفا، وكلوة، وممبا، ودخل التجار إلى الأحراش الإفريقية وكونوا إمارات عربية، وتزاوجوا من أهلها، وامتزجت العربية بالإفريقية فنتجت اللغة السواحيلي المنتشرة في البلاد الإفريقية إلى الآن.

تعرفت على عدد من الشعراء العمانيين والعرب منهم؛ إبراهيم السوطي وهذه قصيدة من ديوانه السيد الغياب:

 

كما تعرفت على الشاعرة الشعبية قسمة العمراني من السعودية. ومجموعة الشعراء المشاركين في تلك الفعالية المتميزة.

***

 

طابع معماري وحضاري آسر

أول ملاحظتي حين دخلت مسقط، ثم بهلاء، ونزوى، والحمراء؛ أن الطابع المعماري العربي، واللون الأبيض يسيطران على الأبنية، وأن القلاع المبنية بالاحجار والطوب اللبن قد عكست طرازها على المعمار في كل الولايات. هذا النوع من الجمال، بالإضافة إلى الهدوء لشخص جاء من القاهرة المزدحمة بالضوضاء، قد سبب لي راحة ما، ومبررة أيضًا.

أعشق الجبال وكثيرًا ما تمنيت أن أمارس رياضة تسلقها، و الاستغوار في مغاراتها، وهي كلمة تعلمتها مؤخرًا من زيارة لمدينة وجدة في المغرب مشهورة بمغاراتها التي تجذب إليها السياح، من كل الدنيا. لهذا رحبت بشدة برحلة لبلاد الجبال والأودية والبحر والصحاري. عمان التي نشرت حضارتها يوما ما في دول جنوب آسيا، المطلة على المحيط الهندي. وامتدت امبراطوريتها العظيمة لأكثر من ألف سنة.

مارس السكان الملاحة ومهروا فيها منذ الألف الثالث قبل الميلاد فوصلوا إلى سواحل شرق إفريقيا (من شواطئ بلاد فارس وبلوشستان حتى زنجبار، لتصل إلى رأس دلغادو" الحدود الشمالية لموزامبيق حاليًا" حتى مملكة أوغندا، وغربًا حتى أعالي الكونجو) من جهة والهند والصين وأمريكا من جهة أخرى. وأقاموا تبادلات تجارية عظيمة بينها. وقد أصدر الحاكم السيد سعيد بن سلطان عام 1832 قرارًا بجعل جزيرة زنجبار عاصمة ثانية للشطر الإفريقي من الإمبراطورية.

بالإضافة إلى الدور السياسي في المنطقة في الفترة التي توسعت فيها الإمبراطورية. كانت الموانئ مثل مسقط ومطرح وصور من أهم أحواض بناء السفن. وبعد منتصف القرن التاسع عشر كان الأسطول العماني أقوى أسطول تملكه دولة في هذه الفترة من اليابان حتى رأس الرجاء الصالح. أسطول تجاري ضخم تسانده قوة بحرية مميزة. وقد أكسب الترحال أهلها انفتاحًا على الحضارات الأخرى ورغبة قوية في نشر مبادئ الدين الإسلامي.

وكعادة كل حضارة تضمحل ثم تعاود النهوض. الآن تتمتع سلطنة عمان بدولة فاعلة في منطقتها تسعى إلى تأصيل هويتها وبناء دولة مركزية متحدة، تواكب العصر، وتحافظ على عراقتها، ويذكر لها أنها دعت في عام 1976 إلى إقامة منظومة للدفاع الإقليمي للدول الثماني في الخليج العربي، وكانت هذه المناقشات اللبنة الأولى لمجلس التعاون الخليجي. في عام 1979 أطلقوا مبادرة لعمل معاهدة تنظم أمن الخليج، لكنها لم تجد استجابة، وجرى ما جرى بعد ذلك من حروب واعتداءات، تثبت ضرورة إقامة مثل هذه المعاهد.

حافظت عمان على علاقة متوازنة مع العراق وإيران على حد سواء أثناء حربهما، وكذلك فعلت أيام الغزو العراقي للكويت، فلم تقطع العلاقة مع العراق لكنها شاركت عسكريًا في تحرير الكويت. مازالت حتى الآن تدعم الوساطة لحل خلافات قطر مع البحرين والسعودية والإمارات، لكنها ترفض فكرة الاتحاد الخليجي التي طرحتها المملكة السعودية، وترى أن الوحدة تحتاج إلى خطوات تسبق وتهيء لهذه الخطوة الكبيرة أولاً

 

 

من نافلة القول:

الملف النووي الإيراني:

تعتبر سلطنة عمان الملف النووي الإيراني قضية أمن قومي بالدرجة الأولى، لكن موقفها من هذا الملف يلقى تحفظات من الدول المحيطة. فقد اعتبر عدد من دول الخليج أن عمان قد تصرفت في هذا الملف دون استشارة مجلس التعاون الخليجي، وترى عمان أن من مصلحتها إبعاد الحروب عن منطقة الخليج وهو ما ينعكس على مصلحة دول الخليج أيضًا. كما أن دول الخليج لا تسعى إلى تنسيق مشترك مع عمان في علاقاتها بالدول المحيطة المؤثرة. ومع هذا تسعى الخارجية العمانية إلى الدخول في وساطات جديدة بين الدول المجاورة المتنازعة.

كانت عمان قد رفضت مقاطعة إيران عام 1987، ورفضت السماح للعراق باستخدام أراضيها لضرب إيران، وتوسطت بين إيران والسعودية من ناحية ومصر من ناحية أخرى أثناء فترة قطع العلاقات. وساعدت في تحرير الصيادين المصريين الأسرى لدى إيران. ساهمت عمان باستضافة جولات المباحثات في الوصول إلى اتفاق مرحلي بين إيران والمفاوضين الستة، إنجلترا- الصين- فرنسا- ألمانيا- الولايات المتحدة وروسيا، للحد من برنامج إيران النووي مقابل تخفيف عدد من العقوبات.

 

أخيرًا هنا:

لست أدري إلى أين تلقي بي الأحرف

وهنا الآن لا غرفة، ولا سرير ولا شرشف

وهنا فرح مذهل

كلما دست في خطوة تلتغي خطوة

وكأن الذي كنت أعرف

لا أعرف.

 

تعليق عبر الفيس بوك