فاطمة الحارثية
المعرفة هي مجموعة الأسئلة، التي يُدرك الساعي كيف يطرح السؤال ويستقبل ماهية الجواب لينال المعرفة. وفي المقابل، كم مِنَّا يسأل وفي نفسه إجابة مُعدة سابقا ممَّا يُغيب عنه المعرفة الحقيقية والحقيقة. السؤال ليس جزءًا من التعلم، بل قبولنا للإجابة والاستجابة لما بعد الإجابة هو التعلم والإدراك والفهم.
يخلط الكثير من الناس بين فهم أداء العمل وفهم الأعمال التجارية، لوهلة قد يخال للبعض أنهما وجهان لنفس العملة، وفي الحقيقة هناك فارق كبير جدا بينهما يبلغ درجة البقاء أو الفناء. لا يحتاج الموظف التنفيذي أن يُدرك الأعمال إلا أنه جزء من منظومة الأعمال. وفي المقابل، الموظف التشريعي (المُقرر) لابد له ان يُدرك عمل الموظف الذي هو جزء من أعمال المؤسسة التجارية والعمل، ليستطيع أن يمارس دوره التشريعي كما يجب. وهذا يقودنا إلى جوهر القيادة والقدرة على فهم كينونة القادة وواجباتهم بشكل أكثر وضوحًا، كما يصبح لأدوارهم قيمة وفائدة.
الموظفون القادرون على قيادة فرق العمل ليس بالضرورة أن تكون لديهم القدرة التشريعية على تسيير الأعمال وازدهارها (فلسفة فهم الحياة وتقنية فهم الأعمال). فليس كل مدير أو قائد فريق صانع قرار إداري أو تشريعي ناجعا. إنَّ القول المأثور "lead people and manage business" (تولى أمر قيادة الأشخاص وإدارة الأعمال) مفهوم عام نص على قيادة الناس والموظفين وإدارة الأعمال وليس العكس. وهذا يبين أن الهيئات الناجعة ليست بالضرورة التي تتخذ من قادة الفرق مُتَّكَأ ومرجعا لقراراتها التشريعية، فالإنسان لابد أن يُكمل أخاه الإنسان، وقبلها لابد أن يُقر ويتقبل نقصه وحاجته للآخر من أجل الصالح العالم، ولكن للأسف الغرور والكِبر يحولان دون ذلك في الغالب، ناهيك عن تحديات الأشباه التي تتجاذب.
الاستقرار أو الرتابة العملية من الأمور التي ينجذب إليها معظمنا؛ فهي تتيح للشخص أن يُمارس بالتعود مع الوقت ما يُناسبه هو، بعيدا عن صراع وحافز الخوف الذي كما يُقره العلم الحديث مُحفِّز للإنتاج والإبداع والنمو والعمل؛ لأنه يحرك غريزة الإنتاج من أجل البقاء. ما يُواجه العامل أو الموظف في الدول الكبيرة لهو برهان من نوع ما على ذلك؛ فخوف فقدانه للوظيفة حفز العاملين في تلك الدول على مواكبة التطور وتحدي صعاب الاقتصاد وإيجاد حلول لمجابهة عدم الاستقرار التجاري والاقتصادي لديهم وللمحيط الذي يعيشون فيه.
تجارة الكلام (الاستشاريون).. في المصطلح الحديث يُقال عن هذه التجارة أنها ازدهرت لدى الدول النامية أو لنقُل الدول التي لا تعلم كيف تقوم باستثمار أموالها أو تصريفها، وأيضا لدى البعض الذي لا يثق بالبعض فيلجأ لغريب ليُحسم الأمر رغم إدراك الجميع أن الامر ليس بتلك الصعوبة وأنها مسألة ثقة وتقاعس لا أكثر.
قول الحق بات مُرهقا، بل وأصبح له تصنيف "القائمة السوداء" بكل تغافل، وربما بسبب العلوم الحديثة المُثقلة بكم هائل من المعلومات أضاع الكثيرون قول الله تعالى: "إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ"، بكل بساطة لن تدوم الشللية، ولن يدوم صديق المصلحة، ومع تقلبات الحياة يكشف التغيير معادن الناس وتسقط الأقنعة؛ فقط الذين يصرون على البقاء خلف الستار من لا يُكشف عنهم الغطاء فيبقون في تيه الظلام والضلال.
موازين القيادة والإدارة واضحة، وأيضا شريعة الحقوق العامة والواجبات. أما اتباع الأنظمة الموضوعة بحجة التحديث ومواكبة تغيرات العصر، فهي في الحقيقة تخدم مصالح شخصية وخاصة (من سن تلك القوانين والأنظمة) مما يؤدي للانهيار الاقتصادي وضمور دور الإنسان في بناء الأرض وازدهارها.. "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا".
-----------------
رسالة
"ما يتعيّن علينا القيام به، أن نعيد النظر في بعض المُسلمات، وفي الصدارة منها: دور الدولة ومؤسساتها في مسيرة التطوّر والتنمية، وأن نضع إجابات تلامس الواقع فيما يتعلق باستمرار مفهوم "الدولة الرعوية" ودور الحكومة كمنفذ وضامن للنمو بشكل عام". حاتم الطائي
كل عاقل يُدرك ان الأرزاق لا تقسمها الهيئات ولا الحكومات ولا حتى المسؤولين، بل سعيك واجتهادك وعدلك مع ذاتك قبل غيرك ما يُنزّل الإنصاف ويُطيب معيشتك. ليس ثمة ثناء في إدراك الآخرين لوجودك وما يُضيفه من نكهة في الحياة المحيطة بقدر أهمية إدراكك أنت لذاتك وما تقدمه من عمل وواجب، بعيدا عن الاتكالية والرعوية.