نبض الجماهير.. ووحدة خليجنا

مدرين المكتومية

"خليجنا واحد".. شعار نُردده دائمًا مع كل موقف أو أزمة تمر بها منطقتنا، هو شعار شعبي بامتياز، يعكس تطلعاتنا نحو الشعوب الخليجية، وأخص في هذا الجانب أبناء جيلي ومن جاءوا بعدي، فقد ترعرعنا ونشأنا ودولنا الخليجية لا تحدها حدود، وتفصلها نقاط تفتيش أو تحول تأشيرة ما دون دخولنا لدولة أخرى شقيقة، وذلك على عكس جيل الآباء والأجداد المخضرمين الذين عاشوا بين عصرين...

أقول ذلك وأنا أتابع باهتمام بالغ مجريات أعمال القمة الخليجية الأربعين أمس، حيث أكدت القمة على العديد من المواقف والقرارات، التي من شأنها أن تدعم مسيرة العمل المشترك، وتعزز التكامل الخليجي، وكلي يقين بأن صفحة الاختلاف في وجهات نظر بعض دول الملجس ستُطوى بلا شك، في ظل الجهود المحمودة التي تسعى لرأب الصدع وإنهاء حالة القطيعة في أسرع وقت ممكن.

ومما يزيد من يقيني ذلك، أننا بالعودة إلى الوراء لأيام قليلة، كانت هناك صورة ناصعة البياض ترتسم وتلوح في أفق خليجنا الواحد، عندما اجتمعت الشعوب وتوحدت خلف منتخباتها الوطنية مؤازرة لها وداعمة لتطلعات كل فريق بحصد الكأس الخليجية، والتي ذهبت في نهاية المطاف إلى الأشقاء في البحرين. إنه مشهد تسعد له القلوب وتبتسم له الوجوه، عندما نرى شعوبنا لا تشق صفها فتنة، أو تُهددها محنة، بل إنها تزيدها قوة ورسوخًا في تراب أوطاننا الغالية.

هذا المشهد أعاد لنا جميعاً ذكريات طويلة، منذ أن انطلقت أول بطولة خليجية قبل 49 عاما من المنامة الغراء، حيث سطع نور شمس بطولات "خليجي"، ومنذ ذلك التاريخ والبطولة ماضية قدمًا في تعزيز روابط العلاقة والإخاء بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي.. ولم لا وهذه البطولة باتت الجسر المتين الذي يوطد العلاقة بين الأشقاء نسخة تلو الأخرى، فبطولة الخليج ببهاء أضوائها، كما أطلق عليها سلفا "ولدت لتعيش" بنبض الجماهير الغفيرة.

ولطالما كانت الدولة المضيفة في كل نسخة وطنا حنونا للجميع، فمن الكويت الراقية، للمنامة الغراء، مرورا بصنعاء التاريخ، وبغداد الحضارة، ومسقط الخير، وأبوظبي المجد، وبلاد الحرمين الشريفين، وصولاً لدوحة الجميع، كل هذه المدن الرائعة فتحت ذراعيها حباً وترحيباً بكل من جاء خلف منتخبه، ليس فقط من أجل مشاهدة مباريات كرة القدم، بل للتأكيد على اللحمة الخليجية ووشائج القربى التي تجمع شعوب هذه الدول.

أزماتنا لا يجب أن تكون حجر عثرة أمام مسيرة تقدمنا، فمن الطبيعي أن تختلف دولنا على بعض الجوانب، لكن لا يجب أن يتحول الاختلاف في وجهات النظر إلى خلاف وقطيعة، فالكل خاسر من هكذا مواقف، خاصة وأن إقليمنا يواجه تهديدات حقيقية وتحديات تفرض على الجميع أن يتوحد في المواقف والخطط، وألا ندع أي مشكلة عابرة أو أزمة طارئة تهدد هذا الكيان الذي سعى مؤسسوه لكي يكون البيت الجامع والحصن الحصين لدولنا التي تتشارك في وحدة الهدف ووحدة المصير.

إنَّ نبض الجماهير الذي عايشناه خلال مباريات كأس الخليج يمضي في مسار متواز مع الإيمان الراسخ لشعوبنا بأنَّ قوتنا في وحدتنا، وأن ترسيخ وتثبيت هذه الوحدة ليس بالعمل الهين ولا المستحيل أيضًا، فقط نحتاج إلى الإرادة القوية والعزيمة الصلبة، والتوجهات الواضحة الصريحة. إن صيحات المشجعين التي كانت تهز مدرجات الملاعب في البطولة الخليجية، كانت تشير دوماً إلى ألا شيء يمكن أن يحول دون وحدتنا، فثقافتنا واحدة، ولغتنا واحدة، وعادتنا واحدة، وتقاليدنا التي نفتخر بها واحدة، حتى حدودنا واحدة، فالوحدة هي عنواننا، والاصطفاف دليلنا نحو بلوغ التقدم والرخاء..

وأخيراً وليس آخرًا.. إن هذه الوحدة التي لا مناص عنها، هي مفتاح مزيد من الخير العميم لدولنا، وبوابة الانطلاق نحو آفاق أرحب من التنمية والاستقرار، علينا أن نحفظ للأجيال المقبلة ما أنجزته الأجيال السابقة، وأن نكون عونا لبعضنا البعض، في السراء والضراء، حتى يتحقق بشكل كامل شعارنا التاريخي الذي رفعناه نحن الشعوب قبل الحكومات "خليجنا واحد.. نبضنا واحد".