السرطان الفتاك

< مرض يزهق الأرواح ويرهق الموازنات

 

عبيدلي العبيدلي

فيما يُواصل المؤتمر الخليجي المشترك الثالث للسرطان، الذي تنظمه جمعية البحرين لمكافحة السرطان أعماله، التي حفلت بدراسات قيمة وحديثة عن واقع ومستقبل السرطان كمرض يفتك بالعباد، ويستنزف الأرزاق، تعكف العديد من مؤسسات البحث العلمي، والجهات ذات العلاقة من أجل الوصول لتقديرات واقعية للكلفة الحقيقية لهذا المرض، الذي نُطلق عليه صفة "الخبيث"؛ نظرا لما يبثه في نفوس ضحاياه من موجة من اليأس شبه القاتل، تحول العلاج، حتى قبل بدايته إلى فشل محتوم.

وبناءً على التقدُّم الذي عرفته تلك الدراسات الاقتصادية الهادفة لتحديد التبعات الاقتصادية التي باتت ترافق انتشار أمراض السرطان؛ سواء على المستوى العالمي الشامل، أو على مستوى كل دولة أو إقليم على حدة، أصبح متاحا لمن يريد من الدول والجهات المعنية مكافحة هذا المرض، قيمة الكلفة الاقتصادية قبل المالية الباهظة التي سيتكبدها المجتمع الذي يرفض اللجوء للسُّبل الوقائية، ويتعامى عن إجراءات المواجهة غير المتأخرة؛ المتمثلة في الكشف المبكر، وأساليب أخرى متعددة، من شأنها -متى ما صيغت في منظومة متكاملة- أن تقلِّص من نسب الإصابة، وترفع من نسب التشافي. وتخفض بالتالي نسبة عالية من الكلفة الباهظة المرافقة.

وبعيدا عن الأكلاف غير المباشرة التي تثقل كاهل المجتمعات التي ترتفع فيها نسب الإصابة بالسرطان، مثل هدر ساعات العمل، وتراجع معدلات نسب الإنتاج، ونزيف الجيوب، على المستوى الفردي، هناك أكلاف باهظة على مستوى الدول، وفي الجانب الاقتصادي المحض. وفي سياق برامج التوعية التي أخذت جمعية البحرين لمكافحة السرطان على عاتقها ترويجها، وتطوير سبل نشرها لضمان وصولها إلى أوسع قطاع ممكن، نورد بعض الأرقام التي أصبحت متداولة، ومتاحة للجميع.

وفي البدء، لا بد لنا من التأكيد على أن معظم الدراسات المنشورة، تكاد تجمع على توقعات ازدياد انتشار هذا المرض، وارتفاع نسب الإصابة فيه، بأرقام متفاوتة بين انواعه المتعددة: سرطان الثدي، سرطان الدماغ، سرطان الرئة. وهذا الأخير هو الأكثر انتشارا على المستوى العالمي إذ تفوق نسبة الإصابة به، وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية 13% من مجموع الإصابات.

نعود بعدها لتسليط المزيد من الأضواء على الجانب الاقتصادي؛ فقد "أفادت تقارير صدرت مؤخراً عن المحفل الاقتصادي العالمي بأنه "نظرا للزيادة المتوقعة في العبء الذي تلقيه الأمراض غير المعدية على عاتق هذه البلدان، وإذا لم يبذل المزيد من الجهود لمكافحة هذه الأمراض، فسوف تواصل ارتفاع معدلات الإصابة بها مع ارتفاع عدد السكان وتقدمهم في العمر. فإنَّ الخسائر الاقتصادية المتراكمة المتكبدة في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل للفترة من 2011 إلى 2025، ستتجاوز، حسب التقديرات، مبلغ 7 تريليونات دولار، أي (زهاء 500 بليون دولار في المتوسط سنويًّا)، وهو ما يعادل نحو 4% من الناتج السنوي الحالي لهذه البلدان".

وجاء في "تقرير منتدى تقديم الرعاية لمرضى السرطان بأسعار معقولة التابع لمؤتمر  (ويش WISH 2015)، الذي قامت بإعداده مجموعة من الباحثين، مما يؤكد بشكل قاطع على ارتفاع عدد الإصابات بالسرطان اعتمادا على تحليل صادر عن "جامعة هارفرد للصحة العامة والمنتدى الاقتصادي العالمي؛ حيث شهد العام 2010 ما مجموعه 3.13 مليون إصابة جديدة بالسرطان، ويتوقع ارتفاع العدد إلى 5.21 مليون حالة بحلول العالم 2030".

ما هو أخطر من ذلك هو ما تكشف عنه اقتصادات الصحة في الدول المتقدمة التي تتوقع زيادة "في جميع أنحاء العالم، تتراوح بين 16 و32 في المائة في التشخيصات الجديدة على مدار السنوات العشر المقبلة 2015-2025".

ويمضِي التقرير مشيرًا إلى تزايد "تكاليف العلاج على نحو سريع في العقود القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال: ارتفع متوسط الإنفاق على المعالجة الأولية لسرطان الثدي في الولايات المتحدة بين عامي 1991 و2002 من 4 آلاف دولار إلى أكثر من 20 ألف دولار. كما أظهرت نتائج دراسات أجريت في الولايات المتحدة أن الأسعار الشهرية للعقاقير الجديدة المضادة للسرطان زادت من ألفي دولار إلى أكثر من 5 آلاف دولار في الفترة بين 2000 و2010. وبوجه عام، ازدادت سوق أدوية الأورام بأكثر من الضعف منذ العام 2003، إذ بلغت نسبة الزيادة 160%، من 35 مليار دولار إلى 91 مليار دولار".

وعلى المستوى الخليجي، يرى د. توفيق خوجة أنه و"طبقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر عام 2008م، هناك 13 مليون مريض، ويتوقع أن يرتفع العدد ليقارب 21 مليون مريض بحلول العام 2030م، مشيراً إلى أنَّ منظمة الصحة العالمية أوردت أن 40% من أمراض السرطان يمكن الوقاية منها، و40% من الأمراض السرطانية الأخرى يمكن الشفاء منها في حال تم تشخيصها مبكراً ومعالجتها فوراً، أمّا 20% من الأمراض السرطانية المتبقية، فيمكن معالجتها بواسطة الرعاية التلطيفية المتخصصة لتخفيف حدة المرض".

من جانبها، تحذِّر رئيسة قسم السياسات في معهد بحوث السرطان في بريطانيا سارة أوزبورن، من أنه "لا يزال الأثر المالي الذي يحدثه السرطان على الاقتصاد في جميع أنحاء أوروبا يمثل عبئا ضخما، بسبب الأشخاص الذين يموتون جراء المرض في عمر مبكر، والغياب عن العمل".

كلُّ ذلك يعني أن السرطان لم يعد مرضا يُودي بحياة مرضاه فحسب، بل بات عاملا مركزيا من عوامل الإعاقة التنموية على المستوى العالمي؛ الأمر الذي ينقل منظمات المجتمع المدني المكافحة من أجل التصدي لهذا المرض من إطار الخدمات الصحية الضيق، إلى فضاء النطاق التنموي الواسع.

وهذا يجعل من الالتفات نحو مثل هذه الجمعيات من أمثال جمعية البحرين لمكافحة السرطان، والتفاعل الإيجابي مع برامج التوعية التي تنفذها مسؤولية تنموية قبل أن تكون مهمة صحية.

هذا بدوره يلقِي على عاتق مثل تلك الجمعيات مهمات، ربما تفوق بكثير ما يقومون به من مهام اليوم، رغم مشقة تلك المهام، التي لا ينبغي الاستهانة ما تتطلبه من جهود في سبيل تحقيق خططها الوطنية الشاملة.