تفاءلوا في ديسمبر

 

سارة بنت علي البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

قال قائل "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" وما هو مرتبط بالأمل بالتأكيد هو التفاؤل، وبالتأمل فيما تقدم نجد أنّه منذ وجود البشر على هذا الكوكب فإنّ أحوالهم ومراتبهم وأرزاقهم متفاوتة، فكانوا ولا زالوا يؤثرون أياما دون غيرها، ويتفاءلون بأخريات دون مثيلاتها؛ بأنّ القادم فيهن سيكون أفضل، ويثقون بهن لدرجة اليقين والاعتقاد التام، بأن ثمة وعدا وأملا منتظرا سيتحقق.

 إنّ البائسين وغيرهم من الناس يعيشون آمالا كبارا، بأنّ دوام وبقاء أي حال بهم هو من المحال، وأنّ الجزم باستمرار حالهم السيء على ما هو عليه استمرار مطلق أمر مبالغ فيه، وبالتالي في كل يوم يشرق عليهم تتجدد هممهم، وتتوسع دائرة تطلعاتهم وطموحاتهم، وحتما يجدون في كل يوم شيئا جديدا على وضعهم وأرزاقهم التي يعيشون.

أنّه منذ أيام ليست بالطويلة ودعنا شهر نوفمبر المجيد، الذي احتفينا فيه بميلاد جلالته أعزه الله، هذه الاحتفائية السنوية المتجددة التي كانت تسمى قديما "عيد الجلوس" والتي عمت فيها الأفراح من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، جددنا من خلالها العزم والعهد والولاء لباني مسيرتنا المظفرة، وحامل مشاعل الخير والنور لنا، ولكل مقيم على هذه الأرض العمانية الطيبة، التي لا تنبت تربتها إلا طيبا، وترفض ما دون ذلك، وقد أشار جلالته أطال الله في عمره إلى ذلك فيما تقدم من خطاباته السامية.

إنّ المتتبع والمتامل لأوضاع عموم الناس، يجد أنّ جميعهم يرجون أن يعيشوا حياة هانئة مطمئنة، ومن هنا فإنّ العيش باستقرار، يستدعي احترام المرء لنفسه ولوطنه وقوانينه وأنظمته وتشريعاته، وذلك بأن يكون أداة بناء وليس معول هدم، وفردًا منضبطا لا منحرفا، منضبطا في حياته وفي سلوكه، في عمله وعلمه، وفي كل ما أوكل له وإليه واستؤمن عليه، وما تحصل عليه ووقع تحت يديه.

وهنا يحضرني قول جلالته -حفظه الله ورعاه- حينما قال: "إنّ الأمن والاستقرار نعمة جلية من نعم الله تبارك وتعالى على الدول والشعوب، ففي ظلهما يمكن للأمة أن تتفرغ للبناء والتطوير في مختلف مجالات الحياة، وأن توجه كل طاقاتها المعنوية والمادية نحو توفير أسباب الرفاه والرخاء ‏والتقدم للمجتمع، كما أنّ مواهب الفرد وقدراته الإبداعية الفكرية والعلمية والأدبية والفنية، لا تنطلق ولا تنمو ولا تزدهر إلا في ظل شعوره بالأمن وباستقرار حياته وحياة أسرته وذويه ومواطنيه".

إنّ الأيام المقبلة علينا والمتبقية من هذه السنة الحالية، ينبغي أن تكون الحالة المعنوية فيها ممتازة، وأن نتطلع إلى القادم بتفاؤل شديد، وننسى ما مضى برضاء تام، فالمنجزات التي تحققت والعمل المتسارع والمستمر الذي تقوم به مختلف مؤسسات المجتمع المدني، ما هو إلا استكمال لما بُدء به، وكل ذلك من أجل عمان وأهلها، فبناء دولة عصرية تمتلك مقومات النجاح وأسبابه، يتطلب من أهلها التكاتف وأن يكونوا دائما صفا واحدا في الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات، والتجرد من الأنانية وحب الذات، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية.

إننا نعلم جميعا بأنّ جلالته أعزه الله قد نذر نفسه للعمل من أجل عمان وأهلها، وقد وعد وصدق في وعده، ورأينا جلالته أعزه الله وأيده بنصره، كيف كان يجوب السهل والجبل والوادي، ويفترش الأرض ويلتحف السماء، وهو في قمة السعادة، وذلك من أجل الوقوف على منجزات النهضة الشاملة، وعمل الحكومة الدؤوب، فلكل ذلك كان يلتقي بأبناء شعبه الوفي والاستماع إليهم ومعرفة أحوالهم ومطالبهم.

لم يتبق على العام الميلادي الجديد إلا أيام، وعلينا أن نستشرف آفاق المستقبل برؤى حثيثة تعزز فينا الهمة والعزيمة وصدق العمل والإخلاص فيه، وما ضاع أقوام صدقوا مع الله فأصدقهم، فالطريق أمامنا طويلة والعمل شاق ومضنٍ، ويد الله معنا إن كنا أنقياء من الداخل، فهنيئا لمن يعيش بيننا بقلب سليم، فبالله التوفيق وعليه التكلان.