"إنّي أشيب لكثرة ما تقمصت من شخصيات"..

صالح علماني.. مُعجم اللاتينية بلسان عربي مبين

الرؤية – محمد البرمي

"إنّي أشيب لكثرة ما تقمصت من شخصيات".. لسنوات طويلة كابد فيها صالح علماني مشقة استبدال الكلمات مع الاحتفاظ بالمعنى وروح النص حتى صار خلال 110 أعمال قدمها للجمهور العربي شريكاً رئيسياً في ما كتب "ماركيز ويوسا وسارماجو والعشرات غيرهم"، حتى صار الرجل جسراً ينقل الأدب اللاتيني بلسان عربي مبين بروح لاتينية كاملة.

"قد يصنع الكتاب أدابا قومية لكنّ المترجمين يخلقون آدابا عالمية"، ربما تصف كلمة خوسية سارماجو بدقة ما صنعه صالح علماني الذي نقل الأدب اللاتيني للعربية فكان نافذة هامة لمحبي الأدب اللاتيني من البرتغال إلى الأرجنتين وكلومبيا وغيرها، فمن ينسى "مئة عام من العزلة" و"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" لماركيز؛ "ساعي بريد نيرودا" و"ذكريات غانياتي الحزينات" و"الحب في زمن الكوليرا" و"انقطاعات الموتى" وابنة الحظ" و"موت معلن" و"حفلة التيس" و"دفاتر دون ريغوبرتو" و"رسائل إلى روائي شاب و"في امتداح الخالة" و "من قتل بالومينو موليرو" و "شيطنات الطفلة الخبيثة".

صالح علماني الذي ولد في مدينة حمص السورية عام 1949 من أصول فلسطينية ويحمل إجازة في الأدب الإسباني، عمل مترجما في سفارة كوبا بدمشق، وكان عضو جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب في سوريا، وأشرف على ورشات عمل تطبيقية في الترجمة الأدبية بمعهد ثربانتس بدمشق، ومنحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام الثقافة والعلوم والفنون في عام 2014. كما حصل على جائزة "خيراردو دي كريمونا" الدولية للترجمة عام 2015، ونال جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولية للترجمة عام 2016.

في حوار قديم له اعترف المترجم الفلسطيني صالح علماني بأنّ الإطراء الذي لقيه عمله الأول هو الذي جعله يقرر أن يكون مترجماً ويشعر أن قدره أن يعيش ليترجم فيقول إنّ للترجمة فضل كبير عليه، أكثر مما له عليها؛ حيث إنّه لم يختر الإسبانية لغة لينقلها إلى العربية، بل هي التي اختارته -على حد تعبيره- أثناء دراسته الطب.

ويشير علماني في حوار سابق إلى أنّ الظروف لعبت دوراً مهماً وساعدته كمترجم مع صعود تيار الرواية اللاتينية وبروزها عالمياً في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، وهو مدين في شهرته لهؤلاء الكتّاب الذين ترجم لهم.

أكثر من 100 عمل على امتداد أكثر من 30 عامًا ربما هذه المسيرة دفعت الشباب العربي للتردد في شراء أي عمل لا يحمل اسم "ترجمة صالح علماني"، لكن بمجرد وضع اسمه يمنح القارئ ثقة في أنّ العمل يحمل بصمة أدبية حقيقية، ومنقول بلغة عربية طازجة من لحم ودم حقيقي، وليست مجرد كلمات تنقل من قواميس اللاتينية إلى القواميس العربية.

 بالأمس رحل حارس ذاكرة الأدب اللاتيني الذي عاش ليكون جسراً بين العربية والإسبانية وباب الدهشة على العديد من الإصدارات التي منحت الشباب العربي متعة ثقافية لا مثيل لها.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك