رفقا بتلك النفس

 

د. مجاهد عبد الله| مصر

   عَجَبًا للإنسانِ حينَ يَكْتُبُ بيدِهِ على نفسِهِ الشّقاء!، حين يُحكِمُ على رَقَبَتِهَا الخِنَاق!، حين ينظُرُ إلى الوجود بعينٍ قاصرة، حين يَحْصُرُ نفسَهُ في دائرةٍ ضيِّقةٍ، ولا يدَعُهَا تنطلقُ في آفاقِ الكونِ الرحيب! حين يَخُطُّ بيدِهِ مضجعه ! آهٍ من ظُلمِ الإنسانِ نفسَهُ ! آهٍ من تعذيبِهِ إيَّاها!  آهٍ من عدمِ رأْفَتِهِ ورحمتِهِ بها ! لِمَ لا يُفسحُ أماها الطريقَ كَيّ تنطلقْ. لِمَ يُحْكِمُ أَقْفَالَهُ عَلَيْهَا ! لِمَ يَحُولُ بينَها وبينَ بَارِئِهَا مع أن فِطْرتَها تُريدُهُ وتأبى إِلَّا إيَّاه ! لِمَ لا يَدَعَهَا تَرْوِي ظمأها وتُشْبِعُ رغبتَها في الإقْبالِ على بَارئِها، فبيَدِهِ وحْدَهُ مفتاحُ نَجَاتها؟ لِمّ يُشِلُّ لَها الحركــــات ويكتُمُ داخِلَها الطَّــــاقات، ويخْنِقُ فيها العَبَـــرات؟! ما الَّذي يعودُ عليهِ منْ تعذِيبِهَا؟!.. أَفَيَسُرُّهُ أنْ يرَاهَا خَاويَةً على عرُوشِها؟! أَفَيُعْجِبُهُ أنْ يَرَى بُنْيَانَهَا يُؤْتَى مِنْ قَوَاعِدِهِ ؟! أَفَيَطْرَبُ لِسَمَاعِ أنِينِهَا، وَتَقَطُّعِ صَوْتِهَا؟.... أَتَقَرَّ عَيْنُهُ لِرُؤيَةِ آلامِهَا وتَوَجُّعِهَا مِنْ جَرَّاءِ الويّلَاتِ الَّتي أحَاطهَا بِهَا؟

 لِمَ كُلُّ هذه الغِلْظَةِ والجَفَاءِ معهَا ؟ لِمَ لا يَرْفِقُ بِحَالِهَا وهي الجَدِيرَةُ بِالرِّفْقِ ؟ لِمَ لاَ يَشفِقُ عَليْهَا وهيَ أهلٌ للشفقةِ؟..... لِمَ لا يُشَاركها أحزانها ويستفرغَ جهدَهُ فِي تَفْرِيغِ حِدَّةِ مُعَانَاتِهَا وهُوَ ألْطَفُ النَّاسِ بِهَا !.... لِمَ لَا يبعثُ فِيهَا أَمَلاً يُحْيِهَا ! لِمَ لَا يُهَدِّأُ أَمْنَ رَوْعِهَا وَيربِطُ عَلى قَلْبِهَا؟ لِمَ لَا تُهَوّنُ عَلَيْهِ مَصَائبَ الحياةِ؟ أذلكَ خيرٌ؟!... أَمْ الإصْرَارِ الأعَمْى عَلَى وَأْدِهَا وَتَحْطِيمِ كَيَانِهَا؟ أَذَلِكَ خَيْرٌ؟ ! أَمْ قَتْلِهَا بِلَا ذَنْبٍ اقْتَرَفَتْهُ؟ أذَلِكَ خَيرٌ!.. أَمْ حَرْقِهَا بِنَارِ القَسْوةِ والجَفَاءِ، وَقَطْعِ صَوْتِ رَجَاءِهَا والدُّعَاءِ! فَتَنْفُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ إِلَى غَيْرِ رَجْعةٍ ؟ أَيْنَ ضَمِيرُ الإنْسَانِ حِينَ سَلَكَ مَعَ نَفْسِهِ هَذَا الْمَسْلَكَ الْوَعِرِ ؟ أَيْنَ كَانَ عقلهُ وقلبهُ حينما تَقَشَّفَ مَعَ تلكَ النَّفْسِ ولَمْ يَرْقُبُ فيِهَا إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ؟!... أين كانت فِطْرَتُهُ النَّقِيَّةِ وَإِنْسَانِيَّتهُ الأبِيَّةِ حينما تجاوزَ مع نفْسِهِ كُلَّ هذهِ الحُدود؟ حينَ عَامَلها بِكُلِّ هَذا الجُحُود ؟!

 رِفْقًا بتلكَ النَّفْسِ ! فَلَا يَكُنْ نَصِيبَهَا مِنَ القِسْمَةِ العذاب ، تلكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى !

تعليق عبر الفيس بوك