تسويق السلطنة.. جهود لا تتوقف

خلفان الطوقي

ليس المُهم أنْ تُنتج منتجًا مميزًا، أو تقدم خدمة رائعة، لكن الأهم أن تسوِّق وتروِّج لهذا المنتج أو الخدمة ليتعرف عليها الجميع أو أغلب من تستهدفهم بعد تحديدهم بدقة متناهية، وما ينطبق على السلعة أو الخدمة ينطبقُ أيضًا على الدولة، وإنَّ اختلفتْ الأدوات والأساليب، لربما هذا التسويق والترويج لم يكن مهمًّا في السابق، لكن الآن أصبح عملًا أصيلا، ويرى الكثير أنَّه لابد أن يكُون من أولويات أي بلد عصري يرى نفسه جزءًا من منظومة دول العالم المتحضر.

ولأنَّنا نتحدَّث في هذا المقال عن السلطنة، ولمزيد من التوضيح، فإنه لا يقصد تسويق عُمان سياحيًّا فقط، لكن المقصود في هذا المقال هو أشمل وأعم، وهو كيفية تسويق وترويج الخدمات التي تقوم بها الحكومة داخليًّا وخارجيًّا؛ داخليًّا التي تستهدف المواطن والوافد المقيم والمستفيد من هذه الخدمات كالتاجر على سبيل المثال أو المستهدف من بعض الخدمات النوعية المختلفة، وخارجيًّا وأهم الفئات المستهدفة هما السائح الذي من الممكن أو المؤمل أن يزور السلطنة، أو أصحاب رؤوس الأموال من تجار أفراد أو صناديق إقليمية أو عالمية استثمارية، ولأنَّ الخدمات في تطوُّر مستمر وسريع، فكان لابد من تسويقها بشكل مستمر وبأسلوب ذكي وتنافسي مع الآخرين من الدول.

تسويق الخدمات الحكومية لم يعُد ترفا أو خيارا، وإنما أصبح ذلك من صميم وأولويات الدولة، خاصة لدولة مثل السلطنة وفي هذا التوقيت بالذات الحساس اقتصاديا واجتماعيا، وفي موقع جغرافي تنافسي شرس من ناحية، ومحيط يعصف بالاضطرابات من ناحية أخرى، لكن يجب أن يبقى الذكاء الحكومي أو (الحكومة الذكية) هو العلامة الفارقة، ويكمن هذا الذكاء في كيفية الاستفادة من هذه الظروف والمعطيات، والاستفادة من هذا كله لتسويق بلدنا وخدماتنا الحكومية داخليا وخارجيا.

لا أحد يستطيع أن يُنكر أنَّ هناك جهودًا لتسويق عُمان وخدماتها، لكن: هل هذا يكفي؟ الجواب يجب أن يكون لدى كل مسؤول حكومي بالطبع "لا يكفي"، بل يجب مضاعفة العمل أضعافا مضاعفة، والعمل وفق أسس علمية تنافسية، خاصة بعد أن أصبح لدينا 4 مطارات و6 موانئ وأكثر من 15 ألف كيلومتر من الطرق المسفلتة، و7 مناطق صناعية عديدة ومناطق حرة في المزيونة وصحار وريسوت والهيئة الصناعية الخاصة بالدقم وإثراء...وغيرها من الهيئات التخصصية كهيئة التخصيص والشراكة وأذرع تجارية واستثمارية تابعة للحكومة كعُمران واللوجستيات والطيران والاتصالات وأوربك والأمن الغذائي، وبنية متكاملة تضمن الأمن والاستقرار، يضاف إليها الأبنية الضخمة الجميلة وأنظمة وأجهزة تكنولوجية حديثة واتصالات متطورة وتشريعات وقوانين عصرية وعالمية تُدار بموارد بشرية مؤهلة...وغير ذلك الكثير مما لا يستوعب أن يضمه مقال واحد.

كلُّ ما ذُكِر والكثير مما لم يُذكر، يجعل فرضية تسويق السلطنة ضرورة وأولوية أولى، ولابد أنْ لا تتوقف بل تتطور، بل يجب أن تستقطب المزيد من البشر ورؤوس الأموال بشكل سنوي، ولا مجال لأي مسؤول أن يقول: قُمنا بكل ما لدينا، ويحاول تسويق مبررات هذا ليس وقتها؛ فهذا التوقيت يتطلب من كل مسؤول حكومي أن يُفكر ويُنتج ويُنافس ويتعاون ويتكامل مع الغير، ويبادر للبحث عن كل عوامل النجاح المتوفرة، ويستفيد منها الاستفادة القصوى لتسويق الجهة التي يمثلها، ليس للتسويق الإعلامي، ولكن التسويق الذي يضمن رضا المستفيد (مواطنا أو مقيما) من هذه الخدمات، وبشر جُدد يأتون إلى عمان ورؤوس أموال محلية باقية وأجنبية قادمة، كل ما ذكر أعلاه في الفقرات السابقة لابد أن يتم تقييمه دوريًّا بالأرقام، ولابد من الإجابة عن هذا السؤال بكل صراحة وشفافية تامة: هل ما تمَّ استحداثه في السنوات العشر الأخيرة وذكرها المقال أعلاه على سبيل المثال يعدُّ "إنجازات" حقيقية وتحقق الأهداف التنموية، أم أنَّ جزءًا منها أو أغلبها هو نزيف يُرهق ميزانية الدولة ولابد من إيقافه بأسرع وقت ممكن، أو إعادة هيكلته وفق أسس محاسبية تضمن تسويق السلطنة وديمومة نمو السلطنة وتطورها المستمر؟!