الإنسانية في الفكر السامي

مدرين المكتومية

عندما أتحدثُ عن البعد الإنساني في الفكر السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- أجد ذلك البعد متجذرا في كل مناحي التفكير لدى جلالته -أعزه الله-، فالأمر هنا لا يتعلق وحسب بعملية التنمية الشاملة التي تنعم بها بلادي الغالية، لكنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفلسفة السامية التي يؤمن بها جلالته، والرؤية السديدة التي يحكم بها المقام السامي على الأمور، وهذا البعد الإنساني تجلى في أبهى صوره بإطلاق مشروع "إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني".

هذا المشروع الحضاري بامتياز الموجه للعالم أجمع، يمتاز بصفات عديدة، منها أنه يحمل اسم صاحب الجلالة السلطان المعظم- أبقاه الله- وهنا تكمن واحدة من جماليات هذا المشروع، بفضل ما يحظى به المقام السامي من سمعة دولية مرموقة مرتبطة دائماً بالسلام والمحبة والوئام والتفاهم والتعايش، والتي تمثل جوهر ذلك الإعلان، باعتبارها القيم التي يدعو إليها الإعلان.

المبادرة العُمانية العالمية تزامنت كذلك مع مشاركة السلطنة في الاحتفال باليوم العالمي للتسامح الذي أقيم في العاصمة الأندونيسية جاكرتا، حيث شارك وفد رفيع المستوى برئاسة معالي الشيخ وزير الأوقاف والشؤون الدينية. وإعلان هذا المشروع في هذا التوقيت، يؤكد أن عمان تأخذ على عاتقها مسؤولية نشر هذه الأخلاق والقيم انطلاقاً من المسؤولية الحضارية للسلطنة، فبلادنا كانت- ولا تزال- دولة سلام ووئام ومحبة، ودليل ذلك توسع الإمبراطورية العمانية في عصور مختلفة ليس بقوة السلاح، لكن بأخلاق التجار، والحرص على نصرة المظلومين ونشر قيم العدالة والإخاء.

ميزة أخرى يمتاز بها الإعلان أن يأتي في توقيت يُعاني فيه العالم من اضطرابات وفوضى أدت إلى انتشار الحروب والصراعات وتحول البلدان إلى ساحات للاعتراك واستغلال الثروات لتدمير الشعوب وليس لتنميتها.

ولذلك فإنَّ المنطلق الأساسي للمشروع يقوم على ثلاثة أبعاد؛ الأول يكمن في تحسين حياة البشر، والثاني يتمثل في اعتماد منظومة أخلاق عالمية، أما الثالث فهو رعاية واستنهاض القيم الروحية للإنسان مع إعمال العقل. وبحسب ما تم الإعلان عنه فإنَّ مشروع المؤتلف الإنساني يستند على 3 مرتكزات حضارية إنسانية، وهذه المرتكزات هي العقل والعدل والأخلاق، كل ذلك إلى جانب 3 موجهات أساسية؛ يأتي في مُقدمتها تعزيز ثقافة السلام والتفاهم واحترام الحياة وتقديرها، والموجه الثاني هو طمأنة الناس بالحفاظ على هوياتهم وحياتهم الخاصة، أما الموجه الثالث فيتحقق في تعميق قيم الشراكة المجتمعية والقيم الاجتماعية.

عظمة وعبقرية إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني أنه يتجاوز كل المسائل المتعلقة باللون والعرق والمذهب والدين والشكل ليأخذنا الى آفاق أبعد من ذلك وأكثر رحابة للإنسانية جمعاء، في مسعى لبناء أرضية مشتركة بين الناس يعملون فيها معاً دون حدود تعرقل مسيرة التعاون والعيش المشترك، وهنا لب الأهداف الإنسانية. إن هذا المشروع يحقق جميع ما جاءت به الشرائع السماوية المختلفة وتنص عليها الكثير من مواثيق المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، فيما يتعلق بقيم السلام والمحبة والوئام.

مشروع إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني أكبر من أن ألخصه في سطور، فهو عميق المعنى والمغزى، استشرافي الهدف والغاية، مثالي التوجه وأيضًا عملي التطبيق.

وعلى كل دول العالم والمنظمات المعنية بالسلام وحقوق الإنسان أن تدعم وتتبنى هذا المشروع، لضمان تطبيقه في أسرع وقت ممكن، كي نحمي عالمنا مما يسوده من فتن واضطرابات.

إنَّ هذا الإعلان السامي مشروع من أجل الإنسانية، يضع حق الإنسان في الحياة الآمنة المليئة بالسلام في أعلى سلم الأولويات، ويرتكز على دعم قيم السلام والإخاء والعيش المشترك.