مدرين المكتومية
منذ بدء الخليقة يسعى الإنسان دائمًا وراء سعادته، وهي غريزة فطرية وضعها الله في نفوس البشر، حتى عندما خُلق آدم عليه السلام، كان أول ما بحث عنه كيف يكون سعيدا، ولذا خلق الله حواء لتكون دعما وسندا لآدم ومصدرا للسعادة في حياته.
لكن رغم ذلك ورغم أزلية مفهوم السعادة وتطبيقاتها في حياتنا اليومية، إلا أننا لا زلنا نعاني من الضبابية والقصور في استيعاب وترجمة هذا المفهوم، فهناك من يرى السعادة في المال أو في الأبناء، أو في المنصب، أو في الشهرة، لكن قليل جدا من يرى السعادة في نفسه. لن أبالغ عندما أقول أنّ السعادة من وجهة نظري هي كيف أكون أنا؟ ما هي الطريقة المثلى التي أُشكل بها ذاتي وتوجهاتي؟ إجابة هذا التساؤل تقدم لي المفهوم الحقيقي للسعادة، فعندما أدرك حقيقة نفسي ومتطلباتها واحتياجاتها فكريا وعاطفيا ونفسيا، أصل إلى شاطئ السعادة بعد إبحار طويل في محيطات الدنيا المتلاطمة أمواجها. وترجمة ذلك على أرض الواقع أن يبحث كل إنسان منا عن مصادر السعادة في حياته، شريطة ألا يخالف ضميره أو يهدم قيمه أو يتعدى على المبادئ التي يؤمن بها، فمن كانت سعادته في الأموال فليعمل ويجتهد ويشارك في مشروعات لكي يجني الأرباح ويجمع ثروته التي يريدها. ومن كانت سعادته في الأولاد، فله ذلك عبر ما أحل الله له من زواج، لكن شريطة أن يعدل بين أبنائه وأن يكون قادرا على الإنفاق عليهم، وتربيتهم التربية السليمة، لا غير ذلك. وهناك الكثير من الأمثلة على تحقيق السعادة، تشترك جميعها فيما إذا كان المرء منا قادرا على تحقيق أحلامه بطريقة موزونة وسوية.
وثمة مفاهيم عدة للسعادة، فالفلاسفة والحكماء وعلماء النفس وحتى الأدباء، طرحوا العديد من المفاهيم والتعريفات للسعادة، لكن في النهاية كل شخص يطبق مفهومه الخاص للسعادة بالطريقة التي يراها مناسبة مع توجهاته وأفكاره، فهناك من يرى في صالة المطارات سعادته، ويرى في الهروب والرحيل وقضاء وقت مع النفس فرصة لسعادة لا يمكن أن يتخيلها شخص آخر يشارك الآخرين كل محطات حياته والعكس صحيح. وهناك من يجد أن السعادة الحقيقية أن يخلد إلى النوم وهو مطمئن الخاطر وهادئ النفس ومرتاح السريرة، لا يشغله سوى ما الذي سيفعله في اليوم التالي عندما يستيقظ.
السعادة تتعلق بممارسة الهوايات وتحقيق الرغبات والتطلعات والطموحات المختلفة، لكن أستطيع القول إن أعظم سعادة تلك التي تقودك إلى معرفة نفسك واكتشاف ذاتك وتلمُّس مشاعرك الداخلية، وإدراك أنّ السعادة أحد أوجه القدر الذي نصنعه لأنفسنا، لا القدر الذي يقودنا في الحياة.
السعادة في مجملها ترجمة لما نفكر فيه، وتطبيق علمي لما يدور في عقولنا الصغيرة، ولذا كلما أحسنا التفكير في الحياة وما ومن حولنا، سنكتشف كم نحن سعداء يحفنا الحبور وتحيط بنا البهجة، سنكون سعداء لدرجة لا يمكن فيها أن نشعر بالحزن، رغم أنّ الشعور بالحزن أمر طبيعي من منطلق أنّ السعادة ليست دائمة.
ومن اللافت في مسألة السعادة، أنّ الأعمال الأدبية والدرامية، في السينما والمسرح والتلفزيون، تطرقت إلى ذلك المفهوم، وما هو السبيل للوصول إليه وتحقيقه، وتنوعت بين الكوميديا والتراجيديا والفانتازيا، لكن جميعها اتفقت على أن السعادة مفهوم نسبي، لا يمكن القول إنّ هناك تعريفا ثابتا لها، أو أن ممارسة بعينها هي التي تجلب السعادة، فالأموال كما هي مصدر سعادة قد تكون منبع الشقاء والتعاسة في الدنيا، والأصدقاء قد يكونوا محفزين للسعادة، لكن ربما يتحولون إلى مثبطين إذا كانوا صحبة سوء.
إنّ السعادة التي أؤمن بها وأدعو من يقرأ سطوري هذه أن يضعها في عين الاعتبار، هي الحرص على القيام بما نحب وأن نقترب ممن نحبهم ويبادلوننا ذلك الحب، فالحب شعور إنساني سامٍ ونبيل، إذا وجدناه علينا أن نتمسك به وألا نفرط فيمن نحب، فنظرة حب واحدة تكفي لكي نحيا في سعادة غامرة.. فهل أدركنا معنى السعادة؟!