د. راشد بن علي البلوشي
أستاذ اللغويات المشارك بجامعة السلطان قابوس
تُعد صلاة الجمعة وخطبتها الموسم الإيماني الأسبوعي الذي يحرص المسلمون على حضوره والتزود منه بما يستطيعون من النفحات الإيمانية والتجديد الروحي والشحن المعنوي والمعرفي لمختلف الأمور والقضايا الحياتية والدينية. يقول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ"، ويقول عليه الصلاة والسلام في فضل الإنصات لخطبة الجمعة "مَنْ تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَى فَقَدْ لَغَا".
لكن، وللأسف، ولا أظن أني الوحيد الذي يلاحظ ذلك، يبدو أن البعض، وخصوصاً بعض كبار السن (الذين نُجلهم ونحترمهم جميعاً) الذين لا يفهمون اللغة العربية الفصحى (لأنهم لم يذهبوا للمدارس) والوافدين (وخصوصاً ممن لا يتقنون العربية الفصحى، وهم نسبة كبيرة من عدد السكان بالسلطنة)، يقعون ضحية للنعاس، ربما لأنهم يحضرون إلى المسجد في حالة من الإعياء، والحل لذلك هو أخذ قسط كافٍ من الراحة يليق بمقابلة ملك الملوك، وربما لأنهم لا يفهمون لغة الخطبة (العربية الفصحى)، وربما لأن موضوع الخطبة يُلقى بطريقة سردية إنشائية بدلاً من طرحه بلغة أقرب لفهم الحضور وبطريقة سلسة تربطه بالواقع وبأسلوب حواري تفاعلي (لا يتضمن مداخلات الحضور) يجعل منه مناسبة لتقديم الحلول لكثير من المشاكل السلوكية (في التعاملات اليومية) بين أفراد المجتمع العمانيين، وبينهم وبين العمالة الوافدة المسلمة (وغير المسلمة). وأظن أن لمثل هذا الأسلوب التفاعلي الجذاب في إلقاء الخطبة ميزة عظيمة في تقليل عادة الأحاديث الجانبية (السوالف) وخصوصاً بين الأطفال الذين ينهمكون في ملء وقت خطبة الجمعة، ظناً منهم بأن ما يستمعون إليه في الخطبة هو إعادة أوتكرار لما يقوله معلمو التربية الإسلامية (الأجلاء) في المدارس.
في ما يلي، سوف نقدم بعض الاقتراحات من أجل أن تؤدي خطبة الجمعة الأغراض الهامة الذي شرعت من أجلها، ومن أجلها حُثّ على حضورها، ومنها أن يرجع المصلي إلى بيته وقد تعلم شيئاً جديداً في دينه أوقد تم ترسيخ مفهوم قديم لديه أو تم معالجة أحد سلوكياته أو طريقة تعامله مع الآخرين (أومع منتجات الثورات الصناعية المتعاقبة، كالسيارات والهواتف وأجهزة الكمبيوتر وغيرها) وتصحيحها، أوغير ذلك من النتائج الإيجابية التي يمكن أن نحصل عليها من حضور خطبة الجمعة.
على الرغم من أهمية إلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية الفصحى، فإننا نظن أن الخطبة ستكون أبلغ في إيصال رسالتها إذا كانت بلهجة عامية قريبة من اللغة العربية الفصحى وبأسلوب تفاعلي (على الأقل في بعض المساجد)، ولكن لا يتضمن الأسئلة والمداخلات من الحضور (أقرب لأسلوب الدروس). ذلك أن إلقاء الخطبة وكأنها خطاب رسمي أو بيان حكومي يجعل من الصعب على الكثيرين متابعتها لأنهم لا يفهمون لغتها. أما إلقائها بلغة أقرب للهجة الحضور فإنّه يجعلها أسهل فهماً ويجعل الحضور أكثر تفاعلاً على المستوى العقلي والفكري (وهوما يحقق شرط الاستماع والإنصات الذي نص عليه الحديث الشريف)، بمعنى أنهم يعرفون الكلام ويفهمون المقصود منه ويدركون أبعاده الاجتماعية ومدى ملامسته لجوانب حياتهم المختلفة، وبذلك تزيد الفائدة، وأيضاً لا ينال النعاس من الحضور لأنهم يظلون يقظين وذلك لأنهم يفهمون ما يسمعونه ويتفاعلون معه ويدركون أهميته لدينهم ودنياهم. وإذا كان هناك من حرج في إلقاء الخطبة (أوقراءتها) باللهجة العامية، فنقترح إعادة مختصرة أوشرحاً أو تعقيباً أو تفسيراً لكل فقرة أو نقطة أو موضوع جزئي من الخطبة يتم طرحه باللغة العربية الفصحى، حيث يكون الشرح أو التعقيب باللهجة العامية. بمعنى أن يقوم الخطيب بإعادة إلقاء الأفكار التي يطرحها باللغة العربية الفصحى باللهجة العامية، حتى يتسنى للجميع الاستفادة من موضوع الخطبة. حيث إن الخطباء في كثير من دول العالم يستخدمون لغات أخرى لإلقاء خطبة الجمعة، معللين ذلك بأن الغالبية العظمى من الحضور هم ممن لا يجيدون العربية. وقد حضرتُ الجمعة في مساجد في الغرب يقوم فيها الخطباء بترجمة ما يقولونه بالعربية الفصحى إلى اللغة الإنجليزية، فكرة بفكرة وبأسلوب الشرح والتعقيب، ونسأل الله أن يرفع عنا وعنهم الحرج (إن وُجد).