عبيدلي العبيدلي
يتوقع بعض الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين، كما ينقل عنهم، اللواء الدكتور محمد صالح الحربي، "وقوع حرب شاملة ومحتدمة في المنطقة، تشنها الولايات المتحدة ضد إيران. أمّا السيناريو الأكثر ترجيحاً في رأينا؛ فهو الوقوف على تخوم الحرب، وليس قيام حرب فعلية، بناء على الموقف السياسي المتغيّر وغير الواضح للمراقبين العسكريين والاستراتيجيين. أغلب المؤشرات تظهر أنّ إيران ستخضع للضغط الأمريكي الجاد، كرهاً أو طوعاً، سلماً أو حرباً".
من يتمعّن في هذا النقل لتلك التوقعات ربما يذهب إلى القول، بأنّ المنطقة العربية، تقف اليوم في منزلة بين منزلتين، أمام برزخ السلام والحرب. بمعنى أنّ احتمالات نشوب الحرب تتمتع بالنسبة ذاتها التي تحملها في جعبتها احتمالات شيوع السلام. وإنّ قراء ة متأنية، وبالموضوعية المطلوبة، البعيدة عن العواطف، والمتحاشية للرغبات أو التمنيات، ستصل إلى النتيجة ذاتها.
لكن، وهذا ما كان متوقعا من د. الحربي، بات مطلوبا، اليوم أكثر من أي وقت مضى، من الاستراتيجيين العرب، أن يذهبوا أكثر عمقا في البحث عن احتمالات العناصر المفاجئة، والمؤثرة في أي من الاتجاهين: الحرب أم السلام.
على هذا الأساس، فمن المتوقع أن تستمر الأوضاع في المنطقة العربية، ولفترة ليست بالقصيرة، على النحو الذي هي عليه اليوم، والذي يمكن وصفه بأن أرخبيلا من الجزر الأخرى المتوترة، مواز لآخر لا تكف المعارك المتفاوتة في أحجامها، عن الانفجار بين الفينة والأخرى، يكمل الصورة مساحات بعض البلدان العربية التي لم تكتوِ بنيران الحرب بعد.
والمقصود بالحروب هنا، هي تلك المعارك التي يكون أحد اللاعبين الأساسيين فيها طرفا خارجيا، وليست تلك التي تخرج فيها جماهير بلد عربي في مسيرة احتجاجية، أو تشهد بعض الاعتصامات، ولعل ساحات عربية مثل العراق وسوريا هي بمثابة النماذج التي تكشف بوضوح حجم التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية في شؤون البلدان العربية، لتغيير الأوضاع فيها بما يخدم مصالح ومشروعات تلك الدول.
ومن بين الذين يرجحون احتمالات اندلاع الحرب، هناك أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، البروفيسور جيمس إل جيلفين، الذي يرسم معالم "خمسة سيناريوهات تواجهها منطقة الشرق الأوسط خلال عام 2018". من بين، تلك التي تدق طبول الحرب، حسب توقعاته، "اعتراف الولايات المتحدة بمدينة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، دق دونالد ترامب المسمار الأخير في نعش عملية السلام التي كانت تسير وفقا لمعايير اتفاق (أوسلو)". وهذا يعني فيما يعنيه العودة إلى ما قبل اتفاق أوسلو الموقع بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، الأمر الذي يعني عودة القضية الفلسطينية إلى الجلوس فوق صفيح ساخن، يمكن أن يقود إلى اندلاع حروب في المنطقة، بدلا من التهدئة التي أشاعها اتفاق أوسلو.
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، نشر هو الآخر توقعاته باندلاع حرب متوقعة في منطقة الشرق الأوسط، وتناقلتها العديد من المواقع الإلكترونية، جاء فيها، "يعد السيناريو الأكثر ترجيحا لنشوب صراع بين القوى العظمى في الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة، هو حدوث صدام بين إسرائيل وإيران، أو أي من حلفائها، بما في ذلك حزب الله، ما سيشجع الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية وحزب الله في سوريا، وربما العراق. وفي هذا الصدد، يقول كل من (نداف بين حور)، و(مايكل آيزنشتات)، من (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)، أنّ الحرب القادمة على الجبهة الشمالية لإسرائيل، سواء بدأت في لبنان أو سوريا، لن تكون مجرد تكرار أوسع وأكثر تدميرا لحرب لبنان 2006. وتضمن المتغيرات أنّ مثل هذه الحرب ستشمل على الأرجح العديد من الجهات الفاعلة، مع مسرح عمليات أكبر، وتحديات غير مسبوقة".
تلك كانت القراءات المرجحة لاندلاع الحروب. لكن بذات الوزن من المصداقية هناك مراكز تخاير الهدوء واستتباب السلام ومن بينها كتابات الباحثين (نداف بين حور)، و(مايكل آيزنشتات)، اللذين يريان أيضا أنّه كما يبدو لهما "أنّ إسرائيل عازمة على تجنب الحرب أيضاً، رغم أن أفعالها تظهر أنّها مستعدة لقبول خطر التصعيد لمواجهة هذه التهديدات الناشئة. وبالفعل، فمنذ عام 2013، نفّذت أكثر من 130ضربة في سوريا ضد شحنات من الأسلحة الموجهة لـ (حزب الله)، ومنذ أواخر عام 2017، وسعت هذه (الحملة بين الحروب) لاستهداف المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا - دون أن تؤدي، حتى الآن، إلى إثارة مواجهة أوسع نطاقا".
يشاطرهما في الرأي المحبذ لارتفاع نسبة نجاح مبادرات السلام، الباحث في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بيري كاماك، الذي يميل إلى القول بأنّ "التقدم في مجال التهدئة وإعادة الاستقرار سيكون تدريجياً، وبطيئاً، ومتقطّعاً. ومع ذلك، في وسع الفاعلين الإقليميين والدوليين أن يستقرئوا بعض الخطوات العينية الملموسة للتخفيف من مخاطر هذه العوامل المؤدية إلى تصعيد النزاع. بالإضافة إلى هذه العوامل، ينبغي النظر كذلك إلى الخصائص المميزة لكل هذه النزاعات ومصالح الأطراف المتدخّلة، والتي سيجري التعامل معها في نهاية هذا الفصل من خلال سلسلة من التساؤلات والإجابات التي سيطرحها خبراء من البلدان التي تغطيها النقاشات ".
أمام هذين السيناريوهين، هناك من يجمع بينهما في تصريح واحد، وهو على علاقة وثيقة بالإدارة الأمريكية الحالية، التي يرأسها دونالد ترامب. فقد نشرت مجلة «The Atlantic» مقالا للكاتبين "فيليب جوردون وبريم كومار. ينقل ذلك المقال، ما جاء على لسان صهر الرئيس الأمريكي ومبعوث السلام إلى الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، بأنّ "احتمالات السلام ما زالت قائمة حتى وإن كان الأمر على أرض الواقع يوحى بالعكس، (مؤكدا على) أنّ الإدارة الأمريكية تستعد لإطلاق خطتها التي طال انتظارها للسلام الإسرائيلي الفلسطيني".
في اختصار، كل ذلك يعني أنّ احتمال اندلاع حرب في المنطقة، يقابله احتمال آخر له ذات الوزن يقود نحو السلام. يبقى السؤال هنا، أين يقف الاستعداد العربي أمام أي من الاحتمالين.
الخوف كل الخوف أننا نحن العرب لم نستعد بعد لأي منهما. وسنكتفي كما دأبنا منذ قيام الكيان الصهيوني باستمراء دور المتلقي، بدلا من المؤثر في منطقة نحن أصحابها، لكننا أعجز من أن تكون لنا كلمة مسموعة ومؤثرة حول مصيرها!!!