ممارسة الشورى بين الواقعية والمزاجية

علي بن مسعود المعشني

 

بانتخاب رئيس لمجلس الشورى ونائبيه اليوم الأحد الثالث من نوفمبر 2019م يتم رسميًا تدشين الفترة التاسعة للمجلس (2023 – 2019)، وهنا يمكننا الحديث عن هذه الممارسة الهامة من عمر سلطنتنا الحبيبة في عصر نهضتها المباركة وتسليط الضوء على جوانبها الواقعية من ناحية مع التوقف عند الحالة المزاجية العامة للمواطنين في السلطنة والتي رافقت هذه الفترة من عمر المجلس بالتحديد ومحاولة توصيفها وفهمها.

الجانب الواقعي في ممارسة الشورى في السلطنة أنّ التجربة مرّت بأطوار تدريجية مدروسة ولم تقفز بناء على رغبات البعض في الداخل أو المغريات من الخارج، حيث حرصت القيادة الحكيمة لمولانا السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – على التدرج العقلاني المدروس للتجربة الشوروية في السلطنة لتصبح ممارسة راسخة وجزء أصيل من ثقافة مسؤولية المجتمع ودوره في التنمية. وهذا التدرّج لم يرسخ التجربة فحسب بل جعل منها قيمة وضرورة لا يمكن التخلي عنها أو استبدالها أو تغييرها، وهكذا تكون الحاجات في حياة الشعوب وأطوار أوطانهم ومراحل حراكهم، حيث تتطابق الحاجات مع الممكنات لتشكل جذرًا ضروريًا مشتركا يمكن البناء عليه وتطويره بيسر وثبات.

هناك تجارب كثيرة مثيلة لتجربة الشورى في السلطنة بمختلف أقطار العالم وبمسميات مختلفة، بعضها ولدت كبيرة ثمّ صغرت لاحقًا وفق مقتضيات الضرورة وللمواءمة العقلانية ما بين الواقع والطموح، وبعضها ولدت واسعة ثم ضاقت لذات الدواعي ولأسباب موضوعية، وبعضها ولدت كاملة متكاملة ثم فقدت عنصر التطوير والتجديد فأصيبت بالشيخوخة المبكرة، وبعضها ولدت في أجواء موتورة وفي حقب بعينها فأثقلت على الأوطان والمواطنين وأنتجت بالضرورة منتجات عكسية ضارة. كان يمكننا في السلطنة إنتاج تجربة شورى كبيرة أو واسعة أو متكاملة منذ عام 1991م، ولكننا بلاشك سنخضع لاحقًا لأعراض التجارب التي سبقتنا تصغيرًا أو تضييقًا أو فقد التجديد والتطوير أو إنتاج تجربة موتورة ومتسرّعة تعود بنتائج عكسية ومخرجات ضارة بالوطن والمواطن.

لاشك عندي أنّ كلامي هذا سيستحسنه البعض ويفهمه ويتفهمه ممن يدركون عمق التجارب ذات المنشأ الوطني الخالص، وأهمية رعايتها وتنميتها حتى تٌشبه الوطن، بينما سيجد البعض الآخر ممن يستحضرون التجارب الأخرى ويقارنون بعين العاطفة لا بعين العقل ويتسلّحون بالطموح المطلق في كلامي هذا مجاملات للحكومة ومديح للتجربة وتسويق لها. أود التذكير هنا بأننا كنا نحلم ذات يوم بمجلس منتخب بعد تجربة المجلس الاستشاري للدولة، وتحقق لنا ذلك عبر مجلس الشورى، ثمّ رفعنا سقف الحلم إلى أهمية وجود رئيس منتخب على رأس مجلس الشورى وتحقق لنا ذلك، يضاف على ذلك توسعة صلاحيات مجلس الشورى التشريعية والرقابية في كل فترة عن سابقتها، فنحن اليوم لم نعد نحلم بل أصبحنا نتحرك في مساحة الممكنات وكيفية استغلالها واستثمارها.

ما لفت نظري ونظر كثيرين غيري بلا شك خلال هذه الفترة بالتحديد هو حجم الشحن ضد المجلس ورئاسته والتركيز على أهميّة وجود رئاسة جديدة "تواكب المرحلة" وكما يتذرع البعض، وكأنّ المسألة تتعلق بشخص بعينه وليس بمنظومة ولوائح تنظم العمل في المجلس وتحدد آليات ممارسته لصلاحياته، وهذا مرده الأساس في تقديري إلى كمية الملفات الحيوية العالقة اليوم والتي تشكل هاجسا للوطن والمواطن وعلى رأسها ملف الباحثين عن العمل، هذا الملف الذي أرّق البعض وجعلهم يعتقدون بوجود عصا سحرية يمكنها حل تلك المشكلة في يوم وليلة وأنّ المجلس يمكنه إيجاد الحل لها فيما لو توفّرت على رأسه رئاسة بعينها، وهذه الرئاسة المنسوجة في خيال هؤلاء البعض يجب أن تكون حكومة بديلة وأن تمارس الغلظة تجاه الحكومة وتختار الصدام معها بدل التكامل كمنظومة الدولة الواحدة.

الثقافة البرلمانية وأدبيات العمل البرلماني توجب على المؤسسات التناغم والتكامل التام حفاظًا على هيبة الدولة والنظام العام وعدم إحداث فراغات ضارة بنسيج الدولة والمجتمع، من هنا يمكننا القول بأنّ حضور الثقافة البرلمانية لازال قاصرًا لدى الحكومة والمجلس معًا وأن الحكمة تقتضي من الطرفين التناغم والانسجام أكثر في العمل وهذه النتيجة الطبيعية مرهونة بمنسوب الوعي وتشرب ثقافة الدولة لدى المجتمع ومن هنا سيخرج بالنتيجة الحتمية المسؤول المرن والعضو الواعي وستختفي ثقافة التربص وستتعزز الثقة بين الطرفين أكثر فأكثر.

قبل الختام، يجب أن نسجل نقطة مهمة في الانتخابات لهذه الفترة وما قبلها كذلك، والتي سيبنى عليها خطوات إيجابية أخرى مستقبلًا وهي الانتصار المعقول والمقبول للولاية والعضو المشرف لتمثيلها وعلى حساب أي طيف أو مكون آخر، فهذه الحالة الصحية يمكن للمراقب أن يلمس تطوّرها التدريجي في عدد من الولايات بالمقارنة مع الفترات السابقة، والتي ساد فيها الكثير من التشنج والتعصب من قبل طيف واسع في المجتمع المحلي، والذي انتصر للقبيلة أو الجماعة وعلى حساب الولاية والوطن معًا.

قبل اللقاء: من ينظر إلى تجربة الشورى في السلطنة ومراحلها وأطوارها من داخلها سيشعر بالرضا مع احتفاظه بسقف طموح أعلى بلاشك وكما اعتدنا في كل فترة، بينما من ينظر إلى هذه التجربة من خارجها وهو يستحضر في ذهنه تجارب بيئات وثقافات أخرى فسيجد لنفسه المبرر الكافي والسعة في النقد إلى حد التجريح، وهذه الفجوة ما بين الطموح والممكن وما بين ما أعني وما تفهمه أنت.

وبالشكر تدوم النعم..

Ali95312606@gmail.com

الأكثر قراءة