الرؤية تحاور د. أسامة إبراهيم خبير نظم وأساليب تعليم الموهوبين

 

حاوره: ناصر أبو عون

 

 

  • التعليم في الخليج لم يجسر الهوة بين المخرجات وسوق العمل.
  • التحوّل إلى اقتصادات المعرفة ضرورة وليس ترفًا.
  • هجرة العقول العربيّة إلى الغرب ليستْ شرًّا محضًا.
  • المجتمعات العربية فقدت تماسكها وتآكلت مناعتها الثقافية.
  • الكتابة الإبداعية أقل المواهب ظهوراً بين الطلاب العرب.
  • بدون تعديل منظومة التعليم العربيّة فلن يؤتِ التغييرُ ثماره.
  • العرب بارعون في الوقوف عند القشور بعيدا عن جوهر الأشياء.

 

د. إسامة محمد إبراهيم أستاذ علم النفس التربوي بجامعة سوهاج والحاصل على الدكتوراه في "نظم وأساليب تعليم الموهوبين" من جامعة برمنجهام البريطانية والخبير التربوي في تصميم وتقويم البرامج الإثرائية للموهوبين، والحاصل على العديد من الجوائز من أهمها: "جائزة أفضل إنتاج علمي في مجال علم النفس من الجمعية المصرية للدراسات النفسية عام 2008م"، و"جائزة حمدان بن راشد لأفضل بحث تربوي تطبيقي على مستوى الوطن العربي 2009م"، و"جائزة خليفة التربوية للبحوث التربوية الإجرائية المبتكرة على مستوى الوطن العربي "، و"جائزة فؤاد أبو حطب من الجمعية المصرية للدراسات النفسية 2011م. التقيناه ودار الحوار التالي بيننا:

 

س: (1) على الرغم من أننا "أمة بلاغة وأدب"، ولدينا قامات إبداعيّة في سائر الفنون، إلا أنّ العشرية الأولى من القرن الجديد ومع تطور وسائل الاتصال حدث تراجع نوعي على صعيد "الكتابة الإبداعيّة"؛ بل زاد الطين بِلّة مع ظهور أنماط عديدة من التواصل مثل" (الفرانكو آراب)، والكتابة بالعاميات المضمحلّة، وتراجع المنتوج الثقافي والإبداعي.. متى نعلم الكتابة الإبداعية في مدارسنا؟ وكيف نراكم الإبداع ليصير تراثا متداولا، وهل يمكن توطين مناهج هذه الكتابة أم علينا ابتداع طريقتنا الخاصة؟

ج: إن الكتابة الإبداعية هي فن التفكير السليم والمشاعر الصادقة، فهي موهبة تعكس عمق التفكير وسلامته، كما أنها الحصيلة النهائية لتعلم كل مهارات اللغة؛ فكل فنون اللغة وأساليبها تصب في هذا النوع من الموهبة، كما أن الكتابة الإبداعية هي أفضل فرصة لظهور المواهب اللغوية المختلفة سواء في القصة أو النثر، أو الشعر. وطالما تشكو المدارس والكليات من القصور والضعف الذي يعترى الطلاب في مهارة الكتابة، وربما ظهر هذا القصور واضحاً حتى بين من يعمل بوظيفة التدريس، ولذا لا عجب أن تكون الكتابة الإبداعية هي أقل المواهب اللغوية ظهوراً بين طلابنا بمختلف مراحلهم. وتعتبر عملية اكتشاف المواهب في الكتابة الإبداعية (الشعر، والقصة، والنثر) من العمليات المعقدة، فعلى الرغم من أن اختبارات الاستعداد اللفظي قد تشير إلى قدرة الفرد على تحليل وإدراك المادة اللغوية إلا أنها تعطى نظرة سطحية فيما يتصل بعمل الموهبة في المجال الشعري مثلاً.

إن النظرة السريعة لمستوى اللغة عند الشباب تظهر تدنيا واضحا في مستوى اللغة قراءة وكتابة وتحدثاً، وهذا واضح جدا في الأخطاء اللغوية في الكتابة، وعدم القدرة على التحدث بلغة سليمة. فإذا أتبنا للكتابة الإبداعية فإننا لا نكاد نجد إلا ندرة تحدت بموهبتها الظروف البيئية.

في الحقيقة لا يمكن الفصل بين اللغة والفكر إذ لا يتصور أن يفكر الإنسان دون أن يستخدم اللغة، كما أن اللغة ليست نظاما صوتيا مغلقا بل هي منظومة مفتوحة تحمل في طياتها منظومة والثقافة والهوية والقيم والتاريخ، ومن هنا تكمل أهمية وخطورة قضية تعليم اللغة. واليوم نشهد تراجع اللغة العربية بين النشء لصالح اللغات الأخرى، وانتشر التعليم الأجنبي بكثافة في كل لمراحل الأساسية والجامعية، وأضحى الطلاب يتحدثون بلغات أخرى، وتقلصت مفردات اللغة لديهم إلى أدنى مستوياتها. وزاد الطين بلة انتشار استخدام (الفرانكو آراب) بين الشباب، وهذا كله يجب أن ينبهنا إلى أهمية التوقف وإيلاء قضايا اللغة الأهمية التي تستحقها باعتبارها قضية ثقافة وهوية .. وكقضية وجود بالدرجة الأولى.

***

 

س: (2) تعصف بالعالم روزنامة من التحديات المعاصرة والتغيرات السريعة فى مختلف المجالات.. هل يمكننا القول بأن الوقت قد حان للإطاحة بالمنظومة الرخوة والتقليدية المتبعة في إعداد المعلم العربي؟ وكيف يمكننا بناء منظومة جديدة تواكب حركة التقدم العلمي المتسارعة من حولنا؟

 

ج: مع بداية القرن 21، طرحت العديد من الأسئلة حول كيفية زيادة فعالية التعليم العام خاصة في المرحلة الأساسية. وقد أظهر التحليل الاستراتيجي للبيانات مجموعة من العوامل الأساسية التي يجب العمل عليها إذا أردنا إعادة تشكيل النظام المدرسي بما يرفع من فعاليته. هذه العوامل يمكن تلخيصها في أربعة عوامل رئيسة: (1) جودة النظام التعليمي لا يمكن أن تتخطى جودة المعلمين، (2) الطريقة الوحيدة لتحسين المخرجات هي تحسين التدريس، (3) الأداء العالي يستلزم نجاح كل طفل (4) كل مدرسة تحتاج إلى قائد عظيم.

وفي الحقيقة المعلم هو العنصر الأهم في العملية التعليمية وأي جهود تتجاهل المعلم لن يكتب لها النجاح، وقد أظهرت البحوث التجريبية أن جودة المعلم تؤثر في أداء الطلاب أكثر من أي عامل آخر، فمهما طورنا المناهج وجودنا في بيئة التعلم، فإن كل ذلك لن يؤتي ثماره بدون أن يكون لدينا معلم مؤهل بطريقة جيدة. وفي بيئاتنا العربية، هناك العديد من المشكلات المرتبطة بإعداد المعلم منها: تدني مستوي برامج إعداد المعلم، وغلبة الكم علي الكيف، وغلبة الإعداد النظري الأكاديمي على التطبيق العملي للمعارف التربوية، وعدم جِدِّية التدريب العملي، وضعف فعالية برنامج التربية العملية. وقد استطاعت كثير من الدول تحسين مخرجات التعليم من خلال العناية باختيار المعلم وإعداده وتدريبه. فعلت ذلك كوريا وسنغافورا وهونج كونج. ويكفي أن نعرف أن أعلى 5% من خريجي الثانوية يلتحقون بمهنة التعليم، وفي فنلندا يتم اختيار المعلمين من بين أعلى 10% من خريجي الثانوية، وفي المقابل في الدول العربية، يلتحق بكليات المعلمين أدني 30% من خريجي الثانوية العامة!

 

س (3): أليس من المبالغ فيه القيام بمحاولة قسريّة لإيجاد "مجتمع أرشد"، واستنبات "بشر راشدين" لتحسين الصورة الذهنيّة للمجتمعات العربيّة أمام ذاتها والآخر أم إنها محاولة لرسم صورة مثالية لمدارة العوار الكالح في وجه مجتمعاتنا الحديثة بعد أن ضربت جرثومة الحداثة المزيفة منظومته القيمية، وصار ينتج كائنات رخويّة اتكاليّة لا تنفع "رق أو طار" كما يقول المثل المصري؟!

 

ج: الرّشد هو الحقّ و الصّــواب، وهو إصابة وجه الحقيقة، وهو السداد والسير في الاتجاه الصحيح. حين "أوى الفتية إلى الكهف" لم يسألوا الله النصر ولا الظفر، ولا التمكين،، فقط سألوه أمرين، قالوا : ﴿ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾، وحين بَلَغَ موسى الرجلَ الصالحَ لم يطلب منهُ إلا أمراً واحداً هو: ﴿هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا﴾ [الكهف/66] ... عن واقعنا في الحقيقة، نحن بارعون في الوقوف عند القشور بعيدا عن جوهر الأشياء. مصطلح "مجتمع أرشد" مفهوم يستخدم لوصف كيفية إدارة المجتمع لموارده العامة وكيفية صنع القرار وعملية اتخاذ القرار من أجل ضمان إعمال حقوق الإنسان مما يجعل مؤسسات الدولة فاعلة قابلة للحياة. والمجتمع الأرشد لا ينشأ برفع لافتات براقة خالية من أي مضمون، إيجاد مجتمع أرشد يستلزم أولا إطلاق الحريات وبناء عقلية نقدية لجميع الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية. وهذا الأمر يتطلب عمليات تحول كبيرة في التعليم في المقام الأول. فبدون تعديل منظومة التعليم فلن يؤتِ أي تغيير ثماره. للأسف، لقد، فقدت ثقافة المجتمعات العربية تماسكها وقوتها وتآكلت مناعتها الثقافية بفعل متغيرات عديدة، وقد نتج ذلك أن ضعفت هذه الثقافة في القيام بدورها في ضبط التفاعل الاجتماعي، وفى توجيه سلوكيات الشعوب العربية في مختلف مجالات الواقع الاجتماعي. بعض هذه المتغيرات يرجع إلى موقف السياسة من عملية تحديث المجتمع والثقافة، والبعض الآخر يعود إلى طبيعة التحولات الاجتماعية والقوى الفاعلة في إطاره، بالإضافة إلى حالة الضعف الذي أصاب منظومة القيم وأخلاقيات الطبقة المتوسطة، وضعف مؤسسات التعليم وتآكل فاعليتها.

***

 

س: (4) يؤكد الإحصائيات أن الأمة العربيّة تعاني من نزيف حاد في "تسرب الموهوبين"، و"هجرة الأدمغة" إلى خارج الأسوار العربيّة وكأننا نعدّ للغرب المتقدم وسائل تفوقه ولا تحصد مجتمعاتنا غير الحسرة والندامة.. متى يتوقف هذا النزيف الحاد؟ ولماذا تعجز مجتمعاتنا العربية وخاصة الخليجية عن اقتناص عقول أبناء البلدان الأكثر فقرًا وتتركهم فريسة لسماسرة العلم في البلدان الغربية؟ وكيف يمكننا ترشيد الهدر في هذه الثروة الوطنية؟

 

ج: تُعد الموارد البشرية أحد أهم عناصر التنمية. وتؤكد مؤشرات التنمية أن الاستثمار البشري أمر في غاية الأهمية، ليس فقط من الناحية الإنسانية، بل أيضاً من الناحية الاقتصادية. وقد أدركت الدول الساعية إلى تحقيق التفوق والتميز في الأسواق العالمية أن العنصر الحاسم في هذه الأمور هو الأفراد الموهوبون والمبدعون والأكفاء من أبنائها، وأنه مهما توافرت إمكانيات العمل والإنتاج المادية يظل هؤلاء الأفراد هم الأكثر أهمية في التنمية.

وتعد "هجرة العقول" أو ما يطلق عليه أحيانا "نزيف العقول" أو الأدمغة Brain Drain أو ما يسمى أيضاً النقل المعاكس للتكنولوجيا Reverse Transfer Technology والتي تطلق على هجرة الأيدي العاملة المدربة من حملة شهادات العليا في المجالات العلمية أحد التحديات التي تواجه تلك الدول النامية في تحقيق خطط التنمية بها. وللأسف ليست الدول الخليجية بمنأى عن هذا التحدي. ولهذه المشكلة أسباب عديدة. وإذا كان العقول تهاجر من دول عربية تعاني من ظروف اقتصادية ومادية صعبة، فإن أسباب هجرة العقول الخليجية قد يعود إلى أسباب أخرى تتعلق بعدم قدرة سوق العمل والمؤسّسات العلمية والبحثية بدول الخليج العربية على استيعاب هذه الكفاءات وعجزها عن توفير الجوّ العلمي الملائم لها، والاستفادة من قدراتها العلمية والعملية والبحثية، وربما بسبب وجود بعض التعقيدات الإدارية والبيروقراطية التي قد تربك أصحاب الخبرات والعقول العلمية المبدعة التي ترغب في آفاق أوسع من الحرية الأكاديمية. وقد يعاني البعض من عدم وجود تخصصات أو أعمال تناسب مؤهلاتهم التي تدربوا عليها ، إضافة إلى افتقاد بعضهم إلى التقدير المناسب.

وهناك أسباب أخرى مختلفة تتعلق بسفر بعض الطلاب إلى الخارج ، إما لأنهم موهوبون أو لأنهم من عائلات ميسورة، ونظرا لغياب وجود برامج محددة للتواصل معهم أثناء فترة إقامتهم الطويلة يندفع بعضهم إلى التكيف مع أسلوب الحياة الأجنبية بالدول التي درسوا فيها، ويصبح من الصعب عليهم العودة. وتزداد المشكلة عندما يتزوج هؤلاء الشباب بأجنبيات من تلك الدول وبالتالي إنجابهم للأولاد، وقد توجد بعض التشريعات التي تضع أمامهم العراقيل في حالة رغبتهم العودة إلى الوطن (على سبيل المثال، عدم تعيين المواطنين المتزوجين بأجنبيات في مناصب عالية أحيانا).

وعلى أيه حال ليست هجرة العقول شرًّا محضًا فهناك اليوم مؤشرين إضافيين مرتبطين بموضوع هجرة العقول هما: اكتساب العقول Brain gain (قدرة الدول على اجتذاب العقول إليها)، وتدوير العقول Brain circulation وتعني قدرة الدول على استرجاع العقول المهاجرة. فالهجرة في الأساس يمكن أن تساعد على تطوير قدرات المهاجرين، ويظل التحدي في استعادة هذه العقول.

وبالنظر إلى تجارب بعض الدول الآسيوية (مثل الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونج كونج)، يمكن القول إنه يجب على دول مجلس التعاون الخليجي وضع خطط واضحة لإعادة واستيعاب العقول المهاجرة من أبناء الوطن وإحلالها بدلا من الأيدي الأجنبية. وقبل ذلك، يجب إجراء مسح شامل لأعداد الكفاءات الوطنية المهاجرة والتعرُّف على أعدادهم وتخصصاتهم وخططهم المستقبلية واحتياجاتهم. وقد يتطلب الأمر إقامة مؤتمر للعلماء المغتربين لمناقشة أساليب مشاركتهم في تنمية الوطن. وينبغي وضع بعض الحوافز مثل الأجور المجزية للكفاءات العلمية ويجب أن تقدّم هذه الأجور ليس فقط للمهاجرين العائدين خصيصاً، بل لجميع الكفاءات العليا الوطنية. كما يجب أيضاً تجهيز عدد من المعامل الخاصة بما يضارع المستوى العالمي للجامعات والمراكز البحثية في الدول المتقدمة مما يساعد تلك الكفاءات المهاجرة إلى العودة. أيضا يجب وضع برامج للتواصل المستمر للطلبة الدارسين في الخارج أثناء دراستهم للتعرف على احتياجاتهم وتطلعاتهم، ووضع الخطط لاستيعاب تلك الكفاءات، وتعديل بعض التشريعات التي قد تعيق رجوع تلك الكفاءات إلى الوطن.

***

 

س: (5) لقد أمسى "سوق العمل العربي والعالميّ" غير قادر على امتصاص "مخرجات المؤسسات العربيّة" بعد أن تبدّلت قيمه وتعددت وتنوعت مهاراته .. ألم يحن الوقت لقيام "ثورة تعليمية"؟ وما هي الأهداف المقترحة لهذه الثورة؟ وكيف يمكن للعالم العربي القفز إلى المستقبل في سنوات قليلة؟

 

ج: تقريبا هناك إجماع بين الخبراء على أن التعليم في الخليج بكل مستوياته لم يرق إلى الطموح في جسر الهوة بين مخرجاته ومتطلبات سوق العمل. في الحقيقة هناك فجوة كبيرة بين برامج ومخرجات التعليم وبين احتياجات سوق العمل في الوطن العربي، مما جعل من جامعاتنا موردا متجددا للبطالة، فالبرامج التعليمية لا تأخذ بعين الاعتبار احتياجات سوق العمل ولا مؤهلات العامل الحديث، فضلا عن الأعمال الحديثة التي نشأت نتيجة التطور المعرفي والتكنولوجي دون أن يكون لها برامج خاصة لإعداد خريجين مناسبين لها. هذه مشكلة عالمية إلا أنها تبدو أكثر تفاقما ووضوحا في المجتمعات العربية والخليجية خاصة نتيجة لغياب التخطيط والدراسات الاستراتيجية والمستقبلية خاصة في قطاعات كالصناعة، التجارة، الهندسة والصحة.

نحن بحاجة ماسة إلى الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من النقاط في هذا المجال مثل: التقليل من القبول في التخصصات النظرية التي لا يحتاجها سوق العمل بكثافة، وفي المقابل فتح تخصصات جديدة يتطلبها سوق العمل، والاهتمام بتحسين التعليم الفني حتى يعود لدينا العمال الفنيين المهرة، والعمل على تجويد مخرجات التعليم لتلبي رغبة وحاجة القطاعين العام الخاص في الحصول على نوعية متميزة من الخريجين. وأخيرا وليس آخرا، ونظرا لتسارع وتيرة التطور وإنتاج المعرفة فإنه يجب التركيز على تعليم الخريجين كيف يكونون مفكرين مبدعين وناقدين، وتزويدهم بمهارات التعلم الذاتي والتعلم المستمر.

***

 

س: (6) مع تراجع أسعار النفط، وتباطؤ النمو وتراجع حركة التنمية المستدامة أليس من الأنسب للعالم العربيّ "التحول نحو مجتمع المعرفة" غير أنّ هذا الأمل بمثابة ضرب من الخيال فـ"ازدهار الشبكات لا يمكن له وحده، أن يقيم قواعد المعرفة على الرغم" ماذا ينقصنا لكي نقفز هذه القفزة إلى الأمام؟ وكيف؟

 

ج: لم يعدِ التحوّل من النهج التقليدي اقتصاديًّا واجتماعيًّا إلى اقتصادات المعرفة نوعًا من الترف بـل أصبح ضرورة ملحة، فلم يعد بمقدور أي دولة تجاهل التطورات المعرفية والتكنولوجية المتسارعة كعنصر أساســـي يمنحها القدرة على التنافس في ظل العولمة وفــــــي ظل إعــــادة صياغة النظام العالمــــي الجديد. لقد بدا واضحا منذ عقود أن الاعتماد على النفط أو غيره من الموارد الطبيعية لم يعد مجديا. واليوم لا يبدو أن أسعار النفط سوف تشهد صعودا مؤثرا خلال العقد الحالي بسبب التحديات المختلفة المتمثلة في البدائل الحديثة للبترول (البترول الصخري أو الأحفوري)، وبسبب التكنولوجيات المتسارعة الحديثة الموفرة للطاقة. بل على العكس، يمكن التنبؤ بانخفاض اسعار البترول في المستقبل بسبب توفر البدائل النظيفة وبأسعار زهيدة، وفي كل الأحوال لا ينبغي التعويل على البترول مستقبلا في عملية التحول الاقتصادي لدول الخليج، ويجب أن توجه استثمارات عالية في مجال المعرفة والتكنولوجيا المتسارعة، وكذلك العمل على تثقيف المجتمع وتربية النشء على ذلك. وإذا كانت دول الخليج قد أُخذت بالانخفاض المفاجئ والسريع لأسعار النفط نتيجة لنقص الدراسات الاستراتيجية التنبئوية، فإننا لا يجب أن تتأخر في الاستثمار في التكنولوجيات المتسارعة خاصة في مجال الطاقة البديلة. إن التحول إلى مجتمع المعرفة واقتصادات المعرفة يجعلنا مطالبين بأن نتوجه بقوة نحو الاستثمار في المعرفة وما يتضمنه ذلك من تغيرات في الفكر والعمل والتعليم والصناعة. إن الاستثمار في المعرفة هو ما سيضمن لدول الخليج التنمية المستدامة واستمرار الازدهار والقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.

 

تعليق عبر الفيس بوك