د. ريم سليمان الخش | باريس
ضبابٌ بقطرِ الساجماتِ مشبّعُ
يغطي المدى والليل أليل يُجزعُ
//
على معبرٍ صعب المراسة ناحلٍ
يشقُ صدور الراسخاتِ ويُقلعُ
//
بكانونَ حيثُ البردُ يبسط عرشه
صقيعا وحول النار كلّ مجمّعُ
//
وجوّ يزيدُ الضارياتِ توحّشا
لها من نيوبٍ قاطعاتٍ تفجّعُ
//
مضى عابرا ركْبُ الحبيبين واثقا
بحافلةٍ تطوي الدروبَ وتسرعُ
//
تشقُ ثياب الليل في جبروتها
وتثقبُ أمشاج الضباب تُقطّعُ
//
ينادمُ حِبٌ خِلّه بتوددٍ
على نغمٍ عذب المسامع يُمتعُ
//
فتنصتُ آذان الظلام وتنتشي
ضلوع المدى ودّا فلا تتوجعُ
//
تمنّى بقاءً للوداد مشعشعا
ليبقى بدفء العاشقين يُمتّعُ
//
على أملٍ أنْ لا يُفرّقَ بينهم
مصابٌ جليلٌ قاهرٌ وملّوِعُ
//
وصلى طويلا للسماء توجّسا
على أنّ أفخاخ الطبيعة تخدعُ
//
عدا فجأة وسْط الطريق مروّعا
كليبٌ على ضوء المنارة يُدفعُ
//
وكان لجام الركْبِ أمرا معسّرا
وصعبٌ على السوّاق قتلٌ مشنّعُ !!
//
تنحّى عن الدعس اللعين بمنحنى
خطيرٍ به زلّت دواليبُ أربعُ
//
أصيبتْ على لطمٍ ورجٍّ بصخرةٍ
تحدّت صلاة الليل فقْدا يُروّعُ
//
صدامٌ على الجنبِ اليمين مجلجلٌ
يُكسّرُ أضلاع الزجاج ويصدعُ
//
لتمشي نصال الغدر نحو خليله
وتنزل بالأحشاء عجلى توزّعُ !!!
//
تشقْلبت الأقدار ذات كريهة
تشَقْلبَ وقتٌ في المسرّة يخدعُ
//
نزيفٌ وأناتُ الفجيعة صُعّدتْ
كنائحةٍ طفلا تحنُّ وترضعُ
//
محاطا ببردٍ في الهزيع وعاجزا
عن الغوث في ليلٍ غريبٍ يُفزّعُ
//
وهاتفه في الضيق صحبة خائنٍ
فلا رادحٌ خِلا ولا الموت يدفعُ
//
عواءٌ ونخرُ العاصفات وحيرة
وصوت الكلاب الضاريات ملعلعُ
//
كأنّ على قُداس ذبحٍ ضحيّة
ومن حولها الكهّان للذبح جُمّعوا
***
السوّاق المُحب:
أ في ذبح من أهوى شواءٌ ومرقصٌ
على عزف أوجاع الفؤاد مشّرعُ
//
إلهي : حياتي كالسرابِ إذا انطفت
نجومٌ على عمري تشعُ وتلمعُ
//
كياني بلا شمس الحبيب مفرّغٌ
وجودٌ على سطح الكواكب بلقعُ
//
(تُسارع في نزع الزجاج أناملٌ
بنافورة الدمّ الكثيف تُنقّعُ)
//
وتجرحُ كفيها سِنانٌ لئيمةٌ
وتبقى لأنصال الشظايا تُقلّعُ
//
يُقطّع في ليل الصقيع قميصه
يُضمّدُ صدرا للحبيب يوّجعُ
//
فنادت رياحٌ : مالجسمك راجفا؟
أتهلك محموما وخِلّك يُصرعُ !!؟
***
السوّق المحب:
ألا تعلم الريح الجهول بأنني
أقطّعُ قلبي لو بقلبي يُرّجعُ !!
//
وكم يفتدي القلبُ الأحبّةَ راغبا
ولكنّها الأيام للوصلِ تقطعُ
//
وهل قيمة الأيام إلّا محبّة
تشّعُ بأعماق النفوس وتسطعُ
//
كراما خُلقنا والوفاء ركيزة
على أنّ لؤمَ الحادثاتِ يضعضعُ
//
فما بردك الطعّان كالسيف هامتي
ولكنْ فراقٌ بعد وصلٍ سيقطعُ
//
(يُلامسُ والتحنان ملءَ أصابعٍ
أضالعَ من يهوى حزينا يُلوّعُ
//
فتخرج أصواتٌ كأنّ أنينها
تقاسيمُ نايٍ بالعرا يتوجّعُ )
***
الحبيب المُصاب:
حبيبي ...(وتنهيدٌ بقلبٍ معذّبٍ
بصوتٍ ضعيفٍ لا يكادُ يُسمّعُ !!)
//
سأمضي حبيبي ضُمّني منك روّني
ومالخلد إلّا حين فيك أمتّعُ
//
وما الروض إلّا قبلةٌ في عبيرها
وباقةُ محبوبٍ بوصلٍ تُجمّعُ !!
***
السواق المحب :
وماقيمة الإنسان دون قرينه ؟
وماقيمة الأشياء حين توزّعُ !!؟
//
مضينا معا في النائبات وفي الهنا
فكيف جذوري من تُرابك تُقلعُ ؟؟
//
(لقد ضمّه نفسا وجسما ببرزخٍ
سواحله موتٌ ونبضٌ ملوّعُ
//
وسالت دماءٌ قانياتٌ كأنّها
غمائمُ تروي عشبه لا يبلقعُ
//
كأنّ الدماء النازفات عشيقةٌ
جرى ماؤها بين المسام يُوزّعُ
//
روَتْ وارتوت حتى احتواه برعشةٍ
وخالطه شوقٌ عنيفٌ مجوّعُ
//
وخالطها ثغرٌ يودّعُ حبّه
يُقلّبُ أشواقَ الحقول ويزرعُ
***
السواق المحب:
سأقضي حياتي إنْ فقدتك راجما
أنايَ التي زاغت بليلٍ تُفجِّعُ
***
المحب المصاب:
إذا جاء ميقاتٌ فلا بدّ واقعا
وهل من شِراك الموت نفسٌ ستمنعُ !!؟
//
سأمضي لميقاتي وحبّك حجّتي
(وأضربُ عنك الذكر صفحا) فتهجعُ
//
فما كلّ من خاض الأذيّة مذنبا
وماكلّ من شاء النصيحة يُقنعُ
//
فقبّل شفاهي الباردات لعلّها
تُروّى بريّاك اللذيذ وتشبعُ.