حقي في الانتخاب.. لن أتنازل عنه

 

د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج

يومان فقط، وتتحدد هوية أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة "2020 – 2024" وقرار الحسم النهائي لا يزال في ملعب الناخبين، ففي صبيحة الأحد القادم، سيتوجه الناخبون إلى مراكز الانتخاب لاختيار 86 عضوًا من بين 717 مرشحا ومرشحة، لمرحلة وطنية حساسة جدا، تحتم على 713 ألفا و335 ناخبا وناخبة، من بينهم 375 ألفا و801 ناخب و337 ألفا و534 ناخبة؛ أن يمارسوا حقهم في التصويت.

وهذا ما يجعلنا نتوجه لهم – أي الناخبين – في هذا العد التنازلي، بالحث على المشاركة حتى يعبروا عن إرادتهم في اختيار ما يرونه أنسب لهذه المرحلة، أنسب للشراكة مع الحكومة في تنفيذ ومراقبة رؤية 2040، أنسب للدفاع عن أوضاع المجتمع في مرحلة الجبايات، أنسب للمساهمة في صياغة تشريع الإطار القانوني الحاكم لرؤية عمان 2040، أنسب لضبط إيقاعات عمليات الحداثة والتطور بل والتحولات التي ستطرأ على المجتمع من جراء التحولات الاقتصادية والمالية الكبرى.

فهل سيكون الإقبال بعد غد على التصويت في الانتخابات كبيرا؟ يفترض ذلك، بل من الواجب أن يكون كذلك، وقد عملت الآلة الإعلامية حكومية وخاصة ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحديثة على التحفيز والحشد عبر توضيح أهمية المشاركة الواسعة، والاختيار الأنسب للمرحلة المقبلة، وفتحت الآفاق لتطور تجربة الشورى ومالاتها المستقبلية التي يفترض أن تكون قد بددت الآن القناعات السلبية.

فهل فعلا، قد تحولت السلبية إلى إيجابية؟ ونخص بالذكر أولئك الذين يغرقون في ثقافة تساؤل جدلي مفروغ من محتواه، وهو ماذا قدم أعضاء المجلس السابقون؟ وهم يطرحونه دون أن يتعبوا أنفسهم في البحث عن الإجابة، ولم يتيحوا لأنفسهم الفرصة لسماع الآخر حتى يتم إقناعهم، أغلقوا حواسهم الخمس عن كسر الجهل ورفع الوعي حتى تنكشف لهم آفاق مسيرة الشورى، وحتميات تحولها المقبل إلى المستويات المأمولة، فهم المعنيون الآن بهذا المقال رغم أن الحملات الإعلامية المختلفة قد تمكنت من صناعة الإقناع عند الكثير منهم.

نستهدفهم مجددا، وذلك حتى لا يفوتوا الفرصة المتاحة لتطور تجربة الشورى من خلال الإضفاء الشعبي على المشاركة وعلى حتميات التطور المأمول، فكيف يحدث المأمول، وهناك من يقلل من أهمية المشاركة؟ المشاركة تعني التعبير عن الرهان لتطور الشورى في البلاد، واختيار العضو من خلال هذه المشاركة، يعني التعبير عن الإرادة الشعبية لما ينبغي أن يكون عليه مجلس الشورى خلال فترة الأربع سنوات المقبلة.

هناك ارتباط عضوي بين ماهية اختيار العضو لمجلس الشورى وبين الأداء المقبل للمجلس، فمن تختاره المشاركة الشعبية من المرشحين، سيكون انعكاسا لأداء المجلس، فهذا الأخير، كما يقول أحد المرشحين، هو بناء هيكلي، فعاليته من انعكاس أداء أعضائه وكفاءاتهم، وهذا يمثل قوة الوعي الذي تخرجه الحملات الانتخابية للفترة التاسعة، وهناك أيضا محفز آخر، يمثل قوة الوعي، ويدفع إلى المشاركة في الانتخابات، وهي الالتزامات التي يقطعها المرشحون على أنفسهم في حالة وصولهم. ونراها هي الأهم حتى من البرامج الانتخابية؛ لأنه لن يتمكن العضو من الوفاء بوعوده للناخبين في ظل صلاحيات المجلس الحالية، إلا إذا ما تعاونت معه الجهات الحكومية، وإنما بمقدوره الوفاء بالتزاماته، وقد قطع الكثير من المرشحين على أنفسهم خلال الحملات الانتخابية، مجموعة التزامات محددة بذاتها، لن نشير إليها حتى لا يفسر أننا نسوق هنا لذوات دون أخرى، لكننا نوضح أن هذه الالتزامات تربط أصحابها بقيود ثقيلة سيسقطون اجتماعيا إذا لم يوفوا بها، وكلها تدور حول التمثيل المجتمعي الصادق والمخلص البعيد عن المنافع الشخصية والعائلية والقبلية.

ومجموعة الالتزامات، ستشكل الفارق الجديد لمجلس الشورى وأن تعمم هذا التوجه بين الأعضاء، أو حتى تم التلويح به كردع من قبل عضو أو أعضاء.. فقد كان تماثل أداء الأعضاء مع أداء الحكومة من كبرى المآخذ على الفترة الثامنة مع وجود جنوح نحو المنفعة الشخصية من البعض، بينما تقدم الحملات الانتخابية الآن رؤية تخرج من الوعي بتلك السلبية، وتلتزم بأداء مهني وأخلاقي أمام الناخبين.

وهذا يعني أن هناك تقدما ملموسا ومتعاظما ينبغي التسليم به، ويدفع إلى الاقتناع بتطور الأداء إلى جانب تطور تجربة الشورى، وهذه التلازمية المتناغمة والمنسجمة بين الجانبين، تستحق من المجتمع دعمها والرهان على مستقبلها وليس تجاهلها، وعدم المشاركة يعني قمة تجاهلها، وترمي بأصحابها في عدم الصدقية والمصداقية مع مثل هذه الاستحقاقات الوطنية.

من هنا تعد المشاركة في انتخابات يوم الأحد، واجب أخلاقي ووطني، وإذا ما كيفنا معطياتها – أي المشاركة- فإن الواجب الديني يحفها مضمونا على اعتبار أن اختيار الأنسب من الأعضاء – وفق قناعات الناخبين – مسؤولية لا تسقط عن البعض، وإنما تدفع بالكل، فعدم المشاركة من البعض، ستذهب بالاستحقاقات الانتخابية إلى غير أهلها من الكفاءات.

لذلك عزيزي الناخب، مشاركتك في الانتخابات واجبة، وبقدره – أي الواجب – يظل صوتك أمانة، والتعبير عنهما - أي الواجب والأمانة – ينبغي أن تستفتى فيه الضمائر، فماذا سترشدنا إليه؟ هل ستوجهنا إلى عدم المشاركة، إذا كانت المشاركة واجبة على الفرد والجماعة، ولن تسقط مسؤوليتها عن الفرد حتى لو قامت بها الجماعة؛ فهى مسؤولية فردية وجماعية معا.

لذلك، ينبغي حسم جدلية التساؤل: ماذا قدم الأعضاء؟ فالإنسان ينظر للمستقبل لا للخلف، والأمور تتطور ولا تتجمد، وعملية البناء تراكمية، والمسيرة التاريخية للشعوب لو توقفت أو امتنعت الشعوب عن المشاركة فيها لما وصلت التجارب الإنسانية في المشاركة السياسية إلى ما وصلت إليه الآن من تعدد وتنوع في الألوان السياسية، ونجاعتها، وهذا لم يتأتَ ولن يتأتى إلا بمشاركة الشعوب في صناعة التطورات لا بالامتناع عنها.

صحيح في المشاركة جهد وعناء، ووقت مبذول، لكن الأصح في الوقت نفسه، أنّها مساهمة فعالة في تعزيز البناء التراكمي لتجربة الشورى المؤسساتية في بلادنا، والدفع بها إلى الطابع الإلزامي، ولو رافقها اختيار العضو الأنسب للمرحلة، فستكون المشاركة فاعلة في إنتاج النخب الصالحة للمرحلة الوطنية، فلا ينبغي التردد في المشاركة من عدمها.

من هنا، لا ينبغي أن ننظر للمشاركة يوم السابع والعشرين من أكتوبر الجاري على أنه صوت لصالح مرشح من المرشحين حتى نتردد في المشاركة، أو أن دافعيته تعصب لمرشح معين، وإنما هو ترجيح لخيار الأنسب، وإنه وعي اجتماعي متزايد عندما ننحاز للأنسب، وكذلك، هى ممارسة لإضافة لبنات جديدة على مسيرة الشورى، وأية تطورات سابقة أو لاحقة، ينبغي أن يشعر كل ناخب مشارك في مسيرة الانتخابات أنه من صانعيها ومؤسسيها، وبلادنا كلها في حالة ترقب لما ستفرزه صناعة صناديق الانتخابات من نخب لمجلس الشورى، وحجم شرعيتها الاجتماعية، فالقرار اجتماعي وعبر صناديق الانتخابات فقط، وكلنا مرتقبون النتائج الثنائية، وهي حجم المشاركة وماهيات النخب، ولا يمكن التنبؤ بها، لحجم المنافسة والمتغيرات الديناميكية في القناعات.