مدرين المكتومية
الشعور بالمسؤولية نعمة عظيمة يتحلى بها كل مُخلص وكل أمين على نفسه وعلى من هو مسؤول عنهم، سواء كانوا أفرادا أو غير ذلك من المسؤوليات، ولذلك فإنَّ التحلي بالمسؤولية يساعد الأفراد والمجتمعات على التطور.
ومن هنا نجد أن الشخص عندما يقوم بعمل ما تحت أي ظرف من الظروف فهذا يعني أن دافعًا حفزه على القيام بذلك، وهذا الدافع هو الشعور بالمسؤولية المنوطة به وواجباته تجاه تنفيذها. وعندما تتعاظم المسؤولية لدى أي فرد من الأفراد تجده يبحث عن أي طريقة تجعله يقوم بما عليه كي يطمئن ويرتاح ضميره، فالشخص المسؤول غالبًا ما يكون مصاباً بمرض التفكير وانشغال الذهن حتى ينهي ما يتوجب عليه إنجازه.
والحق أن هذا أمر صحي للغاية، خاصة وأن الشخص الذي يمر بهكذا تجربة هو شخص يملك الكثير من الأفكار البناءة والإيجابية تجاه الحياة، ودائماً ما يجد في معمعة الأحداث من حوله الزمن والأدوات المناسبة للقيام بالمهمات المنوطة به من باب المسؤولية أيضًا.
جدوى الإحساس بالمسؤولية في تنفيذ المهام الشخصية أو على مستوى العمل أو الأسرة، تتزايد إذا ما تحدثنا عن الوطن، فالمسؤولية تجاه الوطن لا تعلوها مسؤولية، بل هي أسمى المسؤوليات، خاصة إذا كان الفرد القائم بهذه المسؤولية ذا منصب في الدولة.
لماذا هذا الحديث المطول عن المسؤولية الآن؟
أقول ذلك لأنني لاحظت من مُتابعتي الشخصية وبعض من التعليقات التي تصلني بحكم عملي الصحفي، أنَّ ثمة ظاهرة- إن جاز التعبير- آخذة في الانتشار بين قطاع الشباب، ويمكن أن ألخص هذه الظاهرة في تكرار كلمة "عادي" التي يرد بها كثير من الشباب على ما يجري من حوله أو عندما تسأله عن إنجازاته في الدراسة أو العمل، فيكون الرد مشوباً بعدم الاكتراث أو التجاهل وينهي حديثه بكلمة "عادي".
ولذا نجد الكثير من الأعمال تتوقف نتيجة أن أحدهم ظنَّ أن الأمر "عادي"، وأن الحياة يمكن أن تمضي بدون معاناة لأحد، لكن مثل هؤلاء يغفلون أن هذا الـ"عادي" ربما يتسبب في مشكلات كبيرة في حياة الآخرين، وأنَّ مصالح أخرى تتعطل بسبب اللامبالاة أو عدم الشعور بالمسؤولية. فمن منِّا لم يُواجه مشكلة في حياته أو صعوبة في إنجاز معاملة لأن الموظف القائم على المعاملة تجاهل الأمر وقال "عادي"! كم من علاقات تحطمت على صخرة اللامسؤولية وعدم الاكتراث للآخر ومشاعره، ومسؤولية كل فرد عن علاقته مع الآخر؟!
للأسف الشديد هذه الظاهرة سيئة ومدمرة في الوقت نفسه، فالإنسان بلا مسؤولية لن يستطيع أن يعيش بطريقة صحيحة ولا أن يُسيِّر حياته في الطريق الصحيح، وإنما سيظل متذمرًا غير قادر على تحقيق أهدافه في الحياة.
المسؤولية حس وشعور من الضروري للإنسان أن يتحلى به، سواء كان موظفاً أو رب أسرة أو حتى فردا عاديا، فمن يرمي القمامة على الشاطئ والذي يقود بتهور والذي لا يهتم بدروسه ومستقبله، يجب على المحيطين به ومحبيه أن يدعموه كي يتحلى بالمسؤولية، فالحديث الشريف يخبرنا بأن "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وأيا كان موقع الفرد في مجتمعه، عليه أن يكون مسؤولا، ويتحمل هذه المسؤولية بجلد وصلابة.
نقطة أخرى أود الإشارة إليها في هذا السياق، وهي ثقافة العمل، التي أؤمن أنها تنبع لدى كل من يتحلى بالمسؤولية، وأخصص كلامي هنا عن ثقافة العمل في القطاع الخاص، فطبيعة العمل في هذا القطاع ليست روتينية أو بيروقراطية مثل القطاع الحكومي، لكنه- أي القطاع الخاص- يعتمد اعتمادا كلياً على الإبداع الفردي في نطاق العمل الجماعي، وإذا ما غاب هذا الإبداع انهار العمل الجماعي، ولذلك نرى بعض الشباب يواجه تحديات جمَّة في العمل بالقطاع الخاص، ويجد هذا العمل بمثابة العبء الكبير عليه، وذلك نتيجة لأنه غير مؤمن بثقافة العمل القائمة على الشعور بالمسؤولية، هو فقط يُريد أن يحصل على معاش شهري ويحضر إلى الدوام في وقت متأخر ويُغادره في وقت مبكر، ويسعى للقيام بأقل جهد ممكن من العمل!
ومثل هذه التحديات يجب أن نقف عندها جميعًا، نحن كل فئات المجتمع، وأن نواجه بقوة مثل هذا الشعور باللامسؤولية والتجاهل وعدم المبالاة، ولنا العبرة والمثل في أجدادنا وآبائنا العظام، الذين نهضوا بهذا البلد من العدم، علينا أن نتخذ منهم قدوة وأن نتمسك بقيمنا الأصيلة القائمة على المسؤولية الحقة التي من خلالها ننجز كافة الأعمال ونحقق شتى الطموحات.. علينا أن نكون على قدر المسؤولية وحسب!