حمد بن سالم العلوي
لقد أُشبِع مجلس الشورى المنتهية فترته الثامنة انتقاداً؛ ليس لأنه يستحق ذلك، ولكن الإنسان عدو ما يجهل؛ فكان الواجب على ممثل الولاية أن يعرِّف بأعمال المجلس، ومهام العضو فيه، وباللجان التي يشكلها المجلس، وأنواعها وأهدافها الرئيسية، وما تحققه من نتائج في مصلحة الوطن والمواطن؛ لأن المواطن الذي شحنته وسائل التواصل ضد المجلس، كان يشاهد فقط ما كان يظهر أمامه على شاشات التلفزة المحلية، أو من خلال مقاطع الفيديو المسرّبة عن مواقف البعض "وهذا الأخطر"؛ لذلك أصبح المواطن مضغوطاً نفسيًّا ضد المجلس والفساد الذي لا يستطيع أحد أن يُنكره على إطلاقه، ولكنه حتماً ليس بذلك الشيء المهول الذي أُوصل إلى أذهان الناس؛ حيث صور وكأنه وحش كاسر، قد عجز الجميع عن الوقوف في وجهه، حتى مجلس الشورى نفسه، ولكن لو قام هذا الإنسان بالتحقق بنفسه "وهو كان مُستمعاً بالطبع" وليس مشاهداً، وكما يقول المثل ليس من سمع كمن رأى، فلو تيقَّن مما سمع، لوجد أنَّ كل الذي سمعه عن الفساد كان مجرد روايات من القيل والقال، وسينتهي بـ"سمعت" من أحدهم، وتنتهي الحكاية باللامتناهية التي تشبه الهباء المنثور.
لذلك؛ تجدنا نؤكد على ضرورة انتقاء خيار الأمة؛ لأنَّ المسألة جد خطيرة؛ فإذا نظرنا إلى مجلس يشبه "عُمان" في رسوخها ووقارها، وجديتها وعنفوانها، وتاريخها وعراقتها، فعلينا إذن أن نقدِّم عُمان الوطن على العائلة أو القبيلة أو المنطقة؛ لأنَّ من كسب عُمان أتته البقية تترى؛ لذلك يجب أن ننتخب من يحبُّ المجلس لأجل عُمان، وشعبها الأبي وقابوسها الوفي، ونبتعد عن الأنانيين الذين يحبون المجلس من أجل الشهرة الاجتماعية، والمكاسب الفردية الشخصية، والتي لم تفتح لهم كل الأبواب فظلت متعسرة عليهم دون عضوية الشورى، وهؤلاء معروفون ومكشوفون؛ أولاً: من خلال مسيرتهم السابقة مع الناس، وثانياً: من خلال استماتتهم في طلب العضوية، وثالثاً: من خلال الرشاوى المادية، أو الوعود المعنوية التي يُغدقونها على الناخب البسيط، فاعلم أيها المواطن الكريم أنَّ الذي يحاول شراءك اليوم؛ فمن السهل عليه أن يبيعك ويبيع الوطن بالغد؛ لأن النفس الدنيئة لا تعصمها عضوية المجلس، بل إنها مدنسة لقيمه ووقاره.
إذن؛ يحدونا أمل كبير في أن يكون المجلس الجديد الموعود بـ"التاسعة" للفترة المقبلة، أن يكون الأكثر حظاً عمّا سبق من فترات؟! ذلك لاعتقادنا أنَّ المجتمع الذي سيشكل هذا المجلس بإرادته الحرة، قد خضرمته التجارب السابقة، وأمسى قديرا وجديرا بانتقاء من يمثل الدولة في مجلس عُمان، عرش الشورى وقامتها المجيدة، سوف ينتخب الإنسان القدير بحمل الأمانة، عزيز النفس، كريم الخصال ذا الضمير الحيّ، الشهم والوقور ذا الأخلاق الرفيعة، والذي إذا نطق لا يكون مِهذاراً بغير هدف، وإذا صَمت بدا عليه سمت الملوك، ووقار العلماء، وعفة الأتقياء، وإن هذا المترشح لن يَعِد بما لا يستطيع، وإذا وعدٌ عليه أن يفى به، وإنه لن يهجر الناس ويبتعد عن تلمُّس حوائجهم الضرورية، وألا يهرب منهم لأنه يُعنى فقط بالتشريع، والإشراف والمراقبة، وفي المقابل لا يجعل من نفسه مندوبَ علاقات عامة، أو ساعي بريد وحسب، بل خدوماً لمجتمعه مبدعا في آرائه، يسعى لجعل مقترحات الناس وابتكاراتهم جل اهتمامه.
لقد كان هُناك شاب صميدع شهم في مواقفه، عزيز النفس في فكره وعقيدته، فأعلن في الندوة التي عقدها في بلده وبين أهل ولايته، أنه ليس بالشخص الذي يزعم معرفة كل شيء، وإنما هو سيكون ممثلا لأهل ولايته، ولا ينوب عنهم إلا بقدر ما يحمل من رؤى "هُم أصحابها"، وهذه قيم ومبادئ انتخابية قويمة كريمة وقوية، وأهم شيء قاله أنه لن يدفع مالاً لأحد من أجل انتخابه؛ وذلك لسبب بسيط ووجيه وأخلاقي بالدرجة الأولى -وأردف قائلاً- "لأنني أخجل من نفسي قبل غيرها، أن أدخل مجلس الشورى برشوة، أو باستعطاف الناس البسطاء حتى ينتخبوني".
لقد أكبرت هذا الرجل لمواقفه المبدئية النبيلة والشريفة، وكدت أن أذكر اسمه في مقالاتي هذه لفخري به، لولا أنني خشيت أن يقال إنه نوع من أنواع الدعاية الانتخابية له، ومثله هو يستحق أن نقف عنده وندعم فوزه، وقد تمنيت على جميع المترشحين أن يكون لهم مواقف تشبه موقفه الحازم الصارم، ورغم أنَّني لم ألتقيه ولو مرة واحدة، ولا أعرفه إلا من خلال ذلك مقطع الفيديو الذي انتشر عنه، وتناقله الناس فخراً بما أعلن به عن نفسه، لأنهم شعروا كما شعرت أنا معهم أنه يُمثلنا، ومثله من الرجال الشرفاء النزهاء تحتاجهم عُمان، إذن الناس يبحثون عن الرجل الشهم القوي الشريف الكريم.
كلمة أخيرة أقولها في حق أعضاء مجلس الشورى، كما نصعِّب شروط الاختيار، نطالب لهم بأن تظل لهم قيمة ومكانة محفوظة لعضو المجلس المنتهية عضويته، حتى لا يضلُّ ولا يشقى بعد عضوية المجلس، وأن تظل المكافأة مستمرة أو حتى نسبة منها، ويمتد هذا الحق بأثر رجعي، وأن يظل التعريف به "عضو سابق" بحيث تشمله عُمان ببركاتها وخيراتها الوفيرة، ويظل حبل الود قائماً بين المجلس، وكل من تشرف بعضوية المجلس وما زال على قيد الحياة.. حفظ الله جلالة السلطان قابوس المعظم، وأمد في عمره، وأسبغ عليه ملبوس الصحة والعافية.. إنه سميع مجيب الدعاء.