عبدالله العليان
بعد أيام قليلة تبدأ انتخابات المجلس الجديد للشورى في دورته التاسعة، وهذه الدورة -في رأيي- ليست ككل الدورات السابقة، ليس من حيث الاهتمام اللافت للترشح والتجاوب الكبير من المواطنين من خلال الحضور اللافت في الجلسات مع المرشح والاستماع إليه، بل من حيث الاختيار للكفاءات المرشحة في كل مناطق بلادنا؛ حيث يلاحظ -في ظل الإقبال الكبير من جيل الشباب والوعي المتنامي- أن هذا الجيل الجديد من الشباب الحاصل على مُؤهلات عالية يريد أن يُسهم في بناء بلده، وأن يُراقب الأداء الذي تقدِّمه المؤسسات العامة، وهذا حق وواجب، على الأعضاء أن يضطلعوا به في الأداء، وتقييمه، ونقده؛ بما يُؤسِّس لخطوات أكثر إيجابية، وأفضل أداءً، وهذا أيضاً ما أراده القائد المعظم في بعض خطاباته السامية؛ حيث نتذكَّر أن قال في بعض مناسبات افتتاح الدورات السابقة: أن "مجلس الشورى شريك للحكومة".
وهذا يعني أنَّ المسؤولية مشتركة، وتتطلَّب الإخلاص في تأدية هذا الواجب الوطني، ولا بد من الأعضاء الجدد أن يُسهموا مساهمة إيجابية، في أدوارهم بالمجلس، كلٌّ له اختصاصات فيما يتعلق بمجال تخصصهم العلمي والفكري، ومن خلال اللجان التي يتوزَّع عليها الأعضاء وفق مجال اختصاص اهتمامهم كما أشرنا، وهناك اهتمام عام، الجميع يشارك فيه، خاصة في البيانات العامة للمسؤولين، وهناك الكثير من الأدوات البرلمانية -وقد أشرنا لها في مقالات سابقة- وهذه مهمة وضرورية لاستخدامها عندما تطرأ قضية تستلزم، وهي استخدام هذه الأدوات (الصلاحيات)، والتي يطرحها العضو عندما يراها جديرة بالطرح، وهي: البيان العاجل، طلب الإحاطة، السؤال البرلماني، إبداء الرغبة في طرح مسألة للنقاش، لجنة تقصي الحقائق، طلب المناقشة من خمسة أعضاء، الاستجواب من خمسة عشر عضواً، ومناقشة البيانات الحكومية.
هذه الصلاحيات كلها تحتاج أن تفعَّل من العضو، بما يتطلب الحاجة إليها من الأعضاء، لذلك لا مهرب من الكلام الذي يقوله البعض من أنَّ المجلس ضعيف في أدائه، وهذا في اعتقادي ليس بسبب المجلس، بل يُسأل عنه الأعضاء الذين تمَّ انتخابهم واختيارهم لتمثيل المواطنين، وللأسف -كما نسمع، وهذا تم التأكد منه- أن بعض الأعضاء يتغيبون عن حضور بعض الجلسات الذي يتم فيها التصويت، أو الخروج لأماكن الاستراحة وشرب القهوة أو الشاي!، مع أنَّ ما سيتم التصويت عليه مسائل تهم الوطن عموماً، وهذا يعني حقيقة أنهم ليسوا على مستوى ما يُرجى منهم، سواءً ممن اختاروهم، أو الوطن الذي يريد الإخلاص له فيما يهم نهضته وتقدمه والوقوف أمام أي إعاقة لمسيرته، وقد قال جلالته موجهاً كلامه لمجلس عُمان، قبل سنوات، ما نصُّه: إنها مسؤولية جسيمة "أنتم أول من يتحملها، وأمانة عظيمة أنتم في مقدمة من يُسأل عنها.. فلا بد من تقديرها حق قدرها وأدائها على الوجه الأكمل". إذن؛ الأمر الذي يريده قائد المسيرة المباركة، أن نكُون عند مستوى الأمانة والمسؤولية الوطنية، ويفترض بالأعضاء أن يكونوا أكثر تقيداً بالتوجيه السامي، في استخدام ما يُعزز دور المجلس حتى لا يتم النقد له بالتقاعس، أو عدم الصلاحيات، صحيح أنَّ الصلاحيات البرلمانية، لم تأتِ دفعة واحدة، لكنها جاءت بالدرج، وهذا حقيقة مُهمة الترسُّخ لخلق الوعي، وعدم حرق المراحل، وهو مبدأ قرآني، عند تطبيق بعض التشريعات؛ فالأمر الذي نودُّ أن نطرحه هو ضرورة أن يكون العضو المنتخب عند أهمية المسؤولية الوطنية، في السؤال، وطرح ما هو جدير بالمناقشة، مع عضو الحكومة، لكنَّنا في نفس الوقت لا نُريد تحويل هذه المناقشات إلى قضايا شخصية، أو انفعال في الحوار، يخرج عن القضية المراد مناقشتها، ووضع ما يُسانده من أفكار، سواء مناقشة البيانات الحكومية، أو طلب المناقشة من خمسة أعضاء، أو الاستجواب من خمسة عشر عضواً أو غيرها.
إذن، هُناك الكثير مما نُريده من الأعضاء الجدد في الدورة المقبلة، وهي على الأبواب، خاصة احتياجات ومتطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن، وهذه المسؤولية تتطلب الكثير من الاهتمام، واستخدام كل الصلاحيات؛ بما يُحقق تطلعات الوطن والمواطن، ومن هذه التطلعات التي سبق أن طُرحت في مقالات سابقة: "القضايا الأساسية التي تشغل بال المواطن العماني واحتياجاته، ونرجو من الأعضاء في هذه الدورة المقبلة أن يتناولها بجدية؛ وهي: قضية التعليم بمجالاته وتفرعاته المختلفة -التعليم من أجل التعليم- مسألة التوظيف ومعوقاته أمام الشباب، وانخفاض أسعار النفط وكيفية مواجهة هذا الانخفاض، وتطوير قوانين الاستثمار بالوطن، وتنويع مصادر الدخل، واستغلال الموارد الطبيعية التي لم تستغل الاستغلال الأمثل، وتأسيس وتطوير ما يُعزِّز السياحة في بلادنا، إلى جانب تطوير الأداء الإداري، وحصار الفساد الإداري، ومواجهة البيروقراطية والروتين...وغيرها من القضايا التي تهم المجتمع وتسهم في تطوره.