حتى نطمئن على "رؤية 2040"

د. عبدالله باحجاج

في وقتٍ نترقَّب فيه تنفيذ رؤية "عُمان 2040"؛ حيث من المقرر أن يبدأ التنفيذ في يناير 2021، وفي وقت أطلقنا فيه الخيال لبلادنا عام 2040، وتصوَّرناها لأجيالنا المقبلة كما هي في الرؤية، دولة في مصاف الدول المتقدمة، وبمصادر دخل غير نفطية تسهم في الناتج الإجمالي بـ93%، وبرفع نسبة العمانيين في القطاع الخاص إلى 42% وزيادة الاستثمارات الأجنبية إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي؛ فإذا بتقييم من مسؤول رفيع المستوى يُخرجنا عن هذه الأحلام، ويرجعنا إلى دائرة الجدال حول نجاح أو عدم نجاج "رؤية 2020".

كُنَّا نفسر الصمت الرسمي خلال المرحلة الماضية بأن دروس وعِبَر إخفاق تنفيذ رؤية 2020، قد استُوعِبت، وأنَّ النخب الحكومية لم تبنِ الرؤية الجديدة إلا على أساس الرؤية السابقة، وعليه البناء، لكن المفاجأة برُوز نُخبة رفيعة المستوى، لا في زمان الظهور، ولا في توقيته، ولا بما يدعم مسارات المرحلة الوطنية الراهنة، أصدرت تقييمها لرؤية 2020 على عكس ما هو مُعتقد مجتمعيًّا، ويتعارض مع كل التقييمات المنشورة.

لماذا يتم استدعاء رؤية 2020، ويتم التلويح بنجاحها الكبير رغم النتائج المعرفة المسبقة بأنَّ ذلك سيثير الرأي العام؟ فالمنطق يحتِّم التركيز فقط على نجاح الرؤية الجديدة، فقد تفاجأنا كغيرنا، بزعم نجاح رؤية 2020 بنسبة 70%؛ مما أثار الرأي العام، واستنكره العقل منذ الوهلة الأولى؛ لأن مآلات تنفيذ رؤية 2020 واضحة وضوح الشمس في الاقتصاد والمجتمع معا وفي آن واحد.

لن نستشهد بألارقام ولا بالمؤشرات؛ فقد أسهب فيها الدكتور سيف المعمري في مقاله أمس والمعنون بـ"عُمان 2020.. 70% من النجاح أم التعثر؟"، مستشهدا فيه بمقالات وتحليلات ودراسات سابقة تفيد بإخفاق رؤية 2020 في تحقيق أهدافها الإستراتيجية الأربعة، ويغنينا العقل في الرد على مزاعم 70%  لو أمعنَّا التأمل في مآلات الأهداف الأربعة:

الأول: تنويع قاعدة الاقتصاد العماني بعيدا عن الاعتماد على النفط لتحقيق تنمية قادرة على الاستدامة؟ فهل حققنا في هذا الهدف نسبة 70%، بل إنَّ المساءلة ينبغي أن تُفتح حول أسباب زيادة اعتماد بلادنا على النفط وليس تقليله على عكس ما تدعو إليه رؤية 2020، والدليل العقلاني الذي نحاجج به هذا الزعم، هو الأزمة النفطية التي تفجَّرت منتصف 2014، والتي جعلت من أكبر مؤسستين ماليتين يُثار حولهما الجدل -وهما صندوق النقد والبنك الدوليين- يُسمح لهما بالتعليق على أوضاعنا المالية والاقتصادية بعد أن وصلت أسعار النفط لعشرة دولارات للبرميل الواحد، وهذا أكبر رد على مزاعم نجاح 70% في هذا الهدف الإستراتيجي الذي تتوقف عليه بقية الأهداف الأخرى.

ومنذ تلكم الأزمة ولا تزال البلاد تعاني من تداعياتها، وقد حملت الحكومة المجتمع آلامًا قاسية لمواجهة تداعيات هذه الأزمة، وتلجأ- حتى الآن- إلى سياسة الضرائب والرسوم، ورفع الدعم وتحرير أسعار الوقود، حتى تخلق التوازن المالي لموازنتها السنوية. فلو كانت تلكم النسبة قد تحققت، لما اضطربت مالية الدولة من جراء الأزمة النفطية، ولما استدعيت تِلكما المؤسستين لتقلبا أوضاعنا الاجتماعية بمنظومتها الضريبية، فكيف نقبل على مضض نسبة نجاح 70%؟

والثاني: السعي إلى تحقيق التوازن بين مصروفات ودخل المال العام، وهذا بدوره لم يتحقق بالأرقام والحقائق التي أوردها المعمري في مقاله -لن نكررها- ويمكن الرجوع لها؛ ففيها سنرى حجم الزيادة الكبيرة في المصروفات؛ مما ترتب عليه رفع حجم المديونية.

أما الهدفان الثالث والرابع فهما: تنمية الموارد البشرية وضمان استقرار دخل الفرد، والسعي لمضاعفته بحلول العام 2020، وكذلك تطوير القطاع الخاص ليقود التنمية والنمو الاقتصادي، ومدى نجاح أو تعثر هذين الهدفين ساحتهما المجتمع، وبالتالي فهو -أي المجتمع - الحاكم عليهما أكثر من الاستشهاد بالأرقام، ونكتفي هنا بالتساؤلات التالية:

- هل بذلك التقييم نعزز الثقة في الفاعلين والتنفيذيين على خططنا المستقبلية؟

- هل تمكنا من خلال التعليم صناعة مواردنا البشرية وتأهيلها لسوق العمل؟

- هل من خلال رؤية 2020 يمكننا الآن تأسيس بنية شاملة لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة؟

- هل ما تبقى من فترة زمنية حتى العام 2020 يمكن أن تحدُث فيه مضاعفة دخل الفرد واستقراره، وهى مدة شهرين أو أكثر بقليل؟

- ما مدى تأثير منظومة الضرائب والرسوم ورفع الدعم عن الخدمات وتحرير سعر الوقود وتجميد زيادة الرواتب.. التي اتخذت لمواجهة اعتماد البلاد على مصدر النفط على معيشة المواطنين؟

تساؤلات تحملُ في مضامينها الرد المباشر على الزعم بنجاح 70% لرؤية 2020؛ مما نصل إلى التساؤل الذي يحير الخبراء والمراقبين، وهو: لماذا يصرح نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط بهذا التصريح الآن؟ وما هي الغايات التي يرمِي إليها بعد أن أصبح المجتمع يتجاوز نسبيا الحديث عن رؤية 2020 ويتجه تفاعلا مع رؤية 2040؟ لماذا يحاول هذا التصريح إعادة بوصلتنا إلى الخلف في وقت نتطلع فيه إلى المستقبل؟ لم نرَ وراء هذا التصريح أية حكمة تُعِيننا على المضي قدما نحو التضامن والتكاتف على تحقيق رؤية 2040، والتضحية من أجلها، وإنما العكس، فهى تعمل على تشويش هذا المسير، وتطرح مجموعة تساؤلات موضوعية حول أهلية الفاعلين الذين تشرفوا بأمانة تنفيذ رؤية 2040 إذا كانت تعتبر رؤية 2020 قد حققت نجاحا نسبته 70%.

وهذا الزعم، قد صدم الرأي العام العماني، وهذا ينم عن مجتمع متفاعل، وشريك في صناعة مستقبل الوطن، وينبغي أن يمارس دوره الرقابي الفعال في تنفيذ رؤية 2040 سواء من خلال مجلس الشورى أو من خلال وسائله العامة المتعددة كوسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة، فحتميات تحقيق أهداف رؤية 2040 ومحاورها كما صنعتها مطابخها الفكرية والاستشرافية التي شاركت فيها كل فئات الدولة والمجتمع، يُعلي من شأن أن يكون لكل فعل ردة فعل في التواقيت المناسبة.

ومن هذه الثنائية المتلازمة، ينبغي التسليم بالقلق من استمرار فكر "نجاح 70% لرؤية 2020" مع مرحلة تنفيذ رؤية 2040؛ لأنه قد يصنع لنا وهم النجاح أو النجاح المتخيل وليس الواقعي؛ فهذا مستقبل الوطن، لا ينبغي المجاملة فيه بعد الإجماع الوطني عليه، والمباركة السامية له، وبعد الإخفاق الصريح في رؤية 2020، ولأنَّ القضية أفكار، والأفكار مصنعها الأفراد، ويقع على الأفراد مسؤولية تحقيق الإستراتيجيات والخطط، فعلينا إعادة النظر في هذه المسارات لكي نطمئن على منظومة الفاعلين الذين يحضّرون البلاد لمستقبلها عام 2040.