د. راشد بن علي البلوشي
أستاذ اللغويات المشارك
جامعة السلطان قابوس
فيما يلي سوف نقدم بعض المقترحات التي تهدف إلى جعل عملية التقاعد من العمل الأكاديمي بالمؤسسات الأكاديمية أكثر فائدة وإنتاجية للأستاذ الجامعي وللمؤسسة الأكاديمية وكذلك للمجتمع. بشكل عام، يقوم نظام التقاعد الحالي بـ "تسريح" عضو الهيئة التدريسية الجامعي وإزالة اسمه وصورته من موقع القسم والكلية على الشبكة العنكبوتية (طبعاً مع صرف راتبه التقاعدي)، وكأنه لم يكن يوماً من الأيام من أعضاء الهيئة التدريسية بالقسم الذين ساهموا في صناعة تاريخه وإنجازاته وتدريس خرِّيجيه وتدريبهم والاهتمام بمواهبهم، وكذلك من أعضاء اللجان المختلفة بالكلية والجامعة. سوف نقدم بعض المقترحات لثلاث حالات من التقاعد من المؤسسات الأكاديمية.
الحالة الأولى وهم أعضاء هيئة التدريس الذين يتقاعدون من المؤسسة الأكاديمية دون رغبة في مواصلة العمل الأكاديمي سواء في مؤسسة أكاديمية أخرى أو حتى على المستوى الشخصي (في البيت والمجتمع)، حيث إنّ منهم من يتجه إلى الأعمال الحرة والتجارة عموماً. وأقل ما تقوم به المؤسسة الأكاديمية لهذه الفئة من الأساتذة الجامعيين هو الإبقاء على أسمائهم وصورهم في الموقع الرسمي للقسم الأكاديمي تحت عنوان "أساتذة متقاعدون"، وفي ذلك اعتراف بدورهم العلمي في تاريخ القسم وقيمتهم الثقافية للقسم والتخصص والمجتمع. و يجب أن يتضمن ذلك سيرتهم الذاتية (الإنجازات العلمية والأبحاث المنشورة ومعلومات التواصل معهم) حتى يُعرف بأنهم مراجع أو خبراء في تخصصاتهم حتى بعد التقاعد، وسيسمح ذلك للدارسين والباحثين العمانيين في نفس تخصصات الأساتذة المتقاعدين بالتواصل معهم والاستفادة من خبراتهم ومعارفهم الواسعة بل وربما التعاون معهم في أعمال بحثية جديدة، وسيسمح أيضاً للجهات المحلية (مؤسسات حكومية أو خاصة) بالاستفادة من آراء وخبرات هؤلاء الأساتذة المتقاعدين، وكذلك دعوتهم لعضوية بعض اللجان في هذه المؤسسات، بما يتناسب مع تخصصاتهم العلمية واهتماماتهم العملية. وكذلك سيمكن ذلك المهتمين من خارج السلطنة من التواصل معهم بهدف الاستفادة من أعمالهم وخبراتهم أو حتى التعاون معهم أو طلب مساهماتهم في مشاريع بحثية أو مشاركتهم بفصول أو مقالات عن السلطنة في كتب أو موسوعات عالمية.
الحالة الثانية وهم أعضاء هيئة التدريس الذين يتقاعدون من العمل الأكاديمي بمؤسسة معينة للالتحاق بالعمل الأكاديمي (أو الإداري) بمؤسسة أكاديمية أخرى. وينطبق على هذه الحالة كل ما قيل بشأن الحالة السابقة من ضرورة وجود أسمائهم وصورهم وسيرهم الذاتية وأرقام التواصل معهم حتى يُعرف على المستوى المحلي والخارجي ما قاموا به من أعمال بحثية وما يمكن أن يقدموه لمجال التخصص والمهتمين من استشارات وخبرات.
الحالة الثالثة، وهي موضوع هذا المقال، وتمثل أعضاء الهيئة التدريسية الذين يضطرون للتقاعد لأسباب اجتماعية أو صحية أو لمشاكل (إدارية) داخل الوسط الأكاديمي بالمؤسسة الأكاديمية أو لغيرها من الأسباب، مع رغبتهم في مواصلة العمل الأكاديمي والبحثي في نفس المؤسسة الأكاديمية. وما سنقوله في شأن هذه الحالة من الأساتذة الجامعيين المتقاعدين مقتبس إلى حد كبير من أنظمة التقاعد في الجامعات العالمية العريقة.
وهذه الفئة من الأساتذة المتقاعدين، طبعاً، يستحقون كل ما يستحقه أعضاء الهيئة التدريسية المتقاعدين من الحالتين السابقتين. حيث إن أسماءهم وصورهم وسيرهم الذاتية تبقى في المواقع الرسمية للمؤسسة الأكاديمية، حتى بعد وفاتهم، وذلك لأنهم يعتبرون جزءاً من تاريخ القسم وإنجازاته على صعيد التعليم والتدريب وإنتاج جيل أو أجيال من العلماء (أو ما يسمى بـ "نشر العلوم" للطلبة الدارسين) وكذلك على صعيد العمل البحثي (أو ما يسمى بـ "اختراع العلوم" من خلال دراساتهم وأبحاثهم).
بالإضافة إلى ذلك، ولأن الغالبية العظمى من الأساتذة الجامعيين المتقاعدين في الجامعات المرموقة، هم من قبيل الفئة الثالثة (التي تحب مواصلة العمل الأكاديمي بشقه البحثي، بعيداً عن التزاماته التدريسية)، فإنّ الأستاذ المتقاعد يحتفظ بمكتب في القسم الأكاديمي (أو على الأقل بمكتب مشترك)، وذلك لأنّ حرص المؤسسة الأكاديمية على بقاء اسمه مرتبطاً بالقسم الأكاديمي والجامعة ربما يكون أكبر من حرصه هو على ذلك، حيث إنّه يظل قيمة علمية وبحثية (حتى بعد وفاته، كما أسلفنا). وطبعاً مع المكتب يأتي حق استخدام الموارد المختلفة بالمؤسسة الأكاديمية من مكتبات ومعامل.