عجائب "بيت العجائب"

مدرين المكتومية

نفخر نحن العمانيين بجذور ماضينا الضاربة في عمق التاريخ، والتي تبرهن على عراقة حضارتنا التي امتدت إلى شرق أفريقيا ووصل صيتها إلى الشرق الآسيوي، وعندما نتذكر هذا الماضي ونعود بالزمن إلى الوراء فإننا ننتشي بهذا التاريخ المُشرف ونؤكد على تمسكنا به وحرصنا على حمايته وصونه.

ولا شك أن أسلافنا قد تركوا لنا عجائب شتى عندما توسعت الإمبراطورية العمانية، وكان من بين هذه العجائب "بيت العجائب" الذي وقف شامخا على ضفاف الماء في زنجبار، ليكون شاهدا على الكثير من الأحداث التاريخية والحقب المختلفة التي مرت بهذا البلد، سواء تحت الحكم العماني آنذاك أو في عصور أخرى.

"بيت العجائب" ليس مجرد بنيان فريد وحسب، بل هو تحفة تروي قصصا عديدة في كل تفاصيله، إنها قصة العماني الذي صنع أمجاده في كل مكان وزمان في مرحلة لم تتكرر حتى الآن، كانت الحياة وقتذاك في عنفوانها، وسطر العمانيون أمجادا ظلت باقية حتى يومنا هذا، وهو ما دفع السلطنة إلى إعادة تأهيل مبنى "بيت العجائب" بزنجبار، لكي تتمكن الأجيال القادمة في العقود المقبلة من رؤية ومطالعة هذا الصرح التاريخي الفريد.

لن تكون مبالغة إذا قلت إن بيت العجائب يشبه في أهميته تلك الصروح التاريخية التي بناها العظماء في كل مكان، إنه تاج محل في الهند، وقلعة محمد علي باشا في القاهرة، والقصر الأموي بدمشق، وغيرها الكثير من الصروح التي تمثل تاريخا في حد ذاتها.

إننا عندما تعود للوراء ونقرأ في تاريخ هذا النموذج المعماري نجد أنه باقٍ شامخ رغم ما تلقاه من قصف بالمدفعية الثقيلة التابعة للبحرية الملكية البريطانية في عام 1896، فبعد مرور ما يقارب 123 عاماً عليه لا زال يحتفظ بتنوعه المعماري الفريد الذي يمزج بين العماني والأفريقي والأوروبي. ويعد بيت العجائب وهو القصر الذي احتضن مقر الحكم العماني في زنجبار، واحداً من بين نحو 6 قصور شيدها السلطان برغش بن سعيد بن سلطان البوسعيدي عام 1883م، وسمي بهذا الاسم لما تميز به هذا القصر الجميل، في الطراز والشكل وأيضًا في المضمون. إذ تشير المراجع التارخية إلى أن هذا القصر كان الأول من نوعه في زنجبار الذي يعمل بالكهرباء وهو أيضاً أول مبنى في شرق أفريقيا يحتوى على مصعد كهربائي، الأمر الذي ميَّزه بشكل كبير عن باقي القصور الأخرى، وكان ذلك تقدما وطفرة تكنولوجية غير مسبوقة.

والعودة إلى بيت العجائب تعيدنا إلى كل تفاصيل الحياة هناك، لكل قصة دارت في حدوده، ولكل شخص مرَّ على عتباته، ذلك القصر الذي يعد أحد أهم المعالم التاريخية يجري الآن تأهيله وإعادة إحياء تفاصيله ليكون واجهة تؤكد دوما تحضر الإنسان العماني، وتأكيدا على مروره الذي لم يكن مرورا عاديا، ولن يكون الإنسان العماني عاديا أبدًا، لأنه سجل لنفسه مكانة تاريخية تسردها الكتب، وتتداولها الألسن ولكنها أيضاً موجودة كشواهد لا يمكن زحزحت حضورها مهما كان وسيكون.

إنَّ هذه الخطوة واحدة من خطوات جليلة قامت بها وزارة التراث والثقافة مُمثلة بقطاع التراث في مجال تأهيل الكثير من الصروح والمباني والشواهد التاريخية إضافة إلى تأهيل عدد كبير من الحارات القديمة، وهو ترجمة للدور الرائد للوزارة في صون الموروث العماني والاستفادة من هذه الموروثات لتعزيز المنافع؛ ثقافيا واقتصاديا، من خلال تحويلها إلى مواقع جذب سياحي.. إننا عندما نقرأ ونشاهد كل هذه الجهود نؤمن بأنَّ هناك أناسا يعملون في صمت دون ضجيج ليقدموا لنا شواهد نفاخر بها دائماً وأبدًا.