"بلومبرج": على أوروبا معالجة عيوب اليورو أو انتظار الكارثة

ترجمة- رنا عبدالحكيم

قالت وكالة بلومبرج الإخبارية إنه بعد ثماني سنوات صعبة من اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لدعم اقتصادات أوروبا، بات ماريو دراجي على وشك التنحي عن رئاسته للبنك المركزي الأوروبي، فيما تواجه خليفته كريستين لاجارد، المشكلة الأساسية نفسها، إذ إن منطقة اليورو القابعة في قلب المشروع الأوروبي الموحد لا تزال عملا غير مكتمل.

وأوضحت الوكالة في افتتاحيتها أن مؤسسي منطقة اليورو أدركوا أنه للتشارك في عملة موحدة، يجب على الدول الأعضاء أيضًا مشاركة المخاطر، مثلما هو الحال في الولايات الأمريكية، على سبيل المثال، من خلال المؤسسات الفيدرالية مثل الميزانية المشتركة وشبكة الأمان الاجتماعي والدعم المالي. وعكس ذلك سينتج عنه خلل، فقوى الطرد المركزي للاقتصاديات المتباينة تهدد بتمزيق الاتحاد. وعلى مدار سنوات تجاهلت الحكومات الأوروبية هذه الآليات الأساسية، لأن الدول الأعضاء لم تكن مستعدة لفقدان السيادة التي تستتبعها.

واعتقد محللون مثل جان مونيه وتوماسو بادوا- شيوبا أن الأزمات الناتجة في منطقة اليورو ستدفع أوروبا نحو الاتجاه السياسي الصحيح. وإلى حد ما، حدث ذلك. فقد أجبرت أزمة الديون السيادية- التي اندلعت في وقت سابق من هذا العقد ودفعت اليونان إلى حافة التخلي عن العملة الموحدة- قادة أوروبا إلى اتخاذ خطوات نحو تعميق التكامل الاقتصادي. فأسسوا عناصر الاتحاد المصرفي، على سبيل المثال، بما في ذلك الكيانات المركزية التي لديها القدرة على الإشراف على المؤسسات المالية في المنطقة والاستحواذ عليها ودعمها.

لكن ما زال هناك الكثير مما ينبغي القيام به، وهو ما يفوق التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن. فالجهود المبذولة لوضع ميزانية لمنطقة اليورو للتخفيف من حالات الركود- كما تفعل التحويلات الفيدرالية للولايات في الولايات المتحدة- لا تراوح مكانها. كما إن الاتحاد المصرفي لم يصل بعد إلى حد المشاركة الحقيقية في المخاطر؛ فهو لن ينفق الأموال العامة المشتركة على إعادة الرسملة، ولا يزال "الركن الثالث"- وهو نظام تأمين الودائع المتبادلة- مجرد اقتراح.

وتسببت العيوب في هيكلية اليورو في خسائر بشرية واقتصادية وسياسية ثقيلة، فقد عانت اليونان من كساد ومعاناة لا توصف، وفي حالة أن الاتحاد متفق على تقاسم المخاطر، لم تكن لتحدث مثل هذه المصاعب إلى حد كبير. أما جهود ماريو دراجي الاستثنائية لدعم العملة الموحدة، استنفدت موارد البنك المركزي الأوروبي، فتركها غير مستعدة لمحاربة الركود القادم. وأدى ضعف أوروبا إلى تحطيم إيمانها بالمؤسسة السياسية، مما ساهم في عودة الشعبوية واليمينية التي اجتاحت العالم الغربي في منتصف القرن العشرين.

والآن تبدو الفرصة مناسبة لكريستين لاجارد، التي ستتولى منصب دراجي الشهر المقبل، إذ تدرك من خلال تجربتها المريرة ما يستلزم اتخاذه من إجراءات لإصلاح منطقة اليورو.

وبطريقة ما، يساعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" في مثل هذه الإجراءات، سواء من خلال تسليط الضوء على تكاليف الانقسام أو تهميش الخصم المنعكس للتكامل الأوروبي. ويؤكد النمو الاقتصادي البطيء الحاجة إلى سياسة مالية منسقة، إضافة إلى أن التغيير المفاجئ في السياسة التجارية للولايات المتحدة والمتمثل في خنق التجارة العالمية، يشكل تحديا لدول أوروبا للوقوف صفا واحدا والدفاع عن مصالحهم.

وبطبيعة الحال، هناك الكثير من العقبات خاصة في ألمانيا؛ حيث يرى السياسيون أن أي تحرك نحو زيادة تقاسم المخاطر أمر مستعصٍ. ومع ذلك، فإن الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية وعضوة البرلمان الألماني لفترة طويلة أورسولا فون دير لين، يبدو أنها في وضع أفضل من أسلافها فيما يتعلق بقدرتها على تعديل السياسات.

وتختتم بلومبرج افتتاحيتها قائلة إن الأزمة المرتقبة لن تمكن لاجارد من التصرف بمفردها، ويتعين على الحكومات أن تتجاوز جمودها الآن، وإلا سيكون هناك اختبار أخر للمشروع الأوروبي الموحد، ونتيجته هذه المرة ستكون مدمرة لهذا الكيان الاقتصادي.

تعليق عبر الفيس بوك